قبل الحديث عن هذا الموضوع، لا بدّ من تحرير معنى هذه المصطلحات الحادثة التي قد يخفى معناها على كثير من الناس..
فأمّا المصطلح الأوّل وهو (السلطة الرابعة) فيراد به : الصحافة وما تقوم به من دور الرقيب والناقد لمؤسّسات المجتمع والدولة، بهدف التقويم والتسديد والبناء، وإنّما وصفت بالرابعة لأنّها تأتي بعد السلطات الثلاث الرئيسة: التشريعيّة، والقضائيّة، والتنفيذيّة ، كما في الثقافة الغربيّة.
وأمّا المصطلح الثاني، وهو ( الطابور الخامس ) فيراد به طابور المنافقين والمشبوهين، المندسين في الصفّ المسلّم، المتربّصين بالمؤمنين، الذين أخبر الله عنهم بأنّهم ((هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ )) (المنافقون : 4) .
وأمّا العلاقة بينهما (أعني السلطة الرابعة والطابور الخامس) فهو موضوع هذه المقالة.
فأقول: كم هو جميل ورائع أن تقوم الصحافة (السلطة الرابعة) بدورها في النقد الهادف والتقويم السديد، فإنّ هذا نوع من الحسبة التي يؤجر صاحبها عليها إذا أخلص النية، لكن حين تُختطف هذا السلطة - في كثير من الصحف- من قبل شرذمة قليلة من أصحاب التوجّهات المشبوهة، والأفكار المضلّلة من الطابور الخامس لتمارس أبشع صور التشويه والإقصاء والهدم مع اتهامها لخصومها بأنّهم إقصائيون !! ، وتفتح الباب على مصراعيه لكلّ موتور ومغرور وطامح إلى الشهرة ليمارس الدور نفسه، في الوقت الذي يغلق الباب بمصراعيه في وجه الغالبية ممّن يخالفهم الرأي والتوجّه، ويفضح ممارساتهم وافتراءتهم، ويكشف عن جهلهم الفاضح، إلا في حدود ضيّقة جدّاً من باب ذرّ الرماد في العيون.. حين يحصل ذلك؛ تتحوّل هذه السلطة الرابعة إلى تسلّط، وإرهاب فكري مقنّع، لا يولّد إلا إرهاباً مضادّاً كردّ فعل متوقّع.. إنّك حين تكممّ فم شخص لتمنعه من الكلام، في الوقت الذي توجّه له أقذع الشتائم والسباب، وربّما اللكمات، فإنّه سيجد نفسه مضطراً إلى استعمال يديه ورجليه، دفاعاً عن نفسه وكرامته، وتحريراً لفمه المكمّم، وعرضه المستباح .