⸻
“بين الأغنام والصقور.. حكاية إبراهيم الحويش”
في عمق البرية، حيث تمتد الرمال إلى ما لا نهاية وتلامس السماء الزرقاء الأفق البعيد، عاش رجل اسمه إبراهيم الحويش. لم يكن رجلاً عادياً، بل كان من أولئك الذين تنسج البرية أرواحهم كما تنسج الرياح شكل الكثبان. ورث عن أبيه قطيعًا من الأغنام وصقرًا من سلالة نادرة، سماه “شاهين”، رفيق دربه في البراري والشعاب.
⸻
الفصل الأول: راعيٌ بطبع الصقر
كبر إبراهيم بين الخيام والصوت الدافئ للأغنام. تعلم من جده كيف يقرأ السماء ويتنبأ بالمطر، وكيف يميز أثر الذئب من أثر الثعلب. لم يكن يرعى الأغنام فقط، بل كان يحرسها كأنها أمانة مقدسة. وفي كل مساء، حين تعود الشمس إلى مغربها، كان يقف شاهين على ساعده، عينيه تراقبان الأفق… تبحثان عن مغامرة.
ذات يوم، وأثناء رعيه في وادٍ ناءٍ، لمح إبراهيم غزالًا يركض بين الشعاب. أطلق صقره، فطار شاهين بسرعة البرق، لكنه لم يعد.
⸻
الفصل الثاني: غياهب البرية
مرّ يوم ويومان… ولا أثر لشاهين. لم يعرف إبراهيم الراحة، ولا ذاق النوم. ترك أغنامه تحت رعاية ابن عمه، وامتطى فرسه الأصيلة، متتبعًا الريح وأثر الصقر المفقود. عبر كثبانًا لا تُحصى، وواجه عواصف رملية كادت تبتلعه.
وفي مساء اليوم الرابع، وجد خيمة صغيرة مهجورة، وبجانبها أثر صقر مربوط بحبل من جلد. دخل إبراهيم بحذر، وفجأة سمع صوتًا خلفه:
– “تدور على شاهينك؟”
كان الصوت لرجل غريب، عابس الوجه، يُلقب بـ”أبو سباع”، صائد غير شرعي يُعرف بسرقته للطيور النادرة وبيعها في السوق السوداء.
⸻
الفصل الثالث: مناورة الصقر والأسير
عرف إبراهيم أنه لا يملك القوة لمجابهة أبي سباع وحده، لكنه تذكر وصية جده:
“الذكاء في البر أثمن من السلاح.”
ادّعى إبراهيم أنه يبحث عن طيور للشراء، وأنه يريد شراء شاهين. صدّقه أبو سباع، لكنه اشترط عليه خوض تحدٍ:
– “إن قدرت تطلق شاهينك من دون ما يهاجمني، فهو لك.”
وافق إبراهيم، وكان يعرف شيئًا لا يعرفه الرجل. شاهين، ما إن يرى إبراهيم يلوّح بيده اليمنى، يهبط فورًا.
في لحظة ذكية، أشار إبراهيم إشارة يعرفها الصقر. انقض شاهين بسرعة مذهلة على أبي سباع، وأفلت إبراهيم الحبل المربوط، لينطلق شاهين إلى الهواء، ثم يعود إلى ساعد صاحبه كما يعود الابن لحضن أمه.
⸻
الفصل الرابع: عودة البطل
عاد إبراهيم إلى دياره، شاهين على ساعده والأغنام تنتظر راعيها. أصبح حديث البرية، ليس فقط لأنه استعاد صقره، بل لأنه تجرأ على مواجهة اللصوص في عمق البر.
علم أولاد القبيلة كيف يربون الصقور، وكيف يصونون الأمانة، وكيف أن راعي الأغنام قد يكون أشجع من ألف فارس إن كان قلبه مملوءًا بالصدق.
⸻
خاتمة:
ظل إبراهيم يروي قصته في المجالس، لكن كل مرة يختمها بجملة واحدة:
“اللي يرعى الأغنام ويتبع الصقر، يعرف إن الله ما يضيع حق الشجاع.”
وهكذا، أصبح إبراهيم الحويش أسطورة، لا لأنه قاتل، بل لأنه عاش الحياة بقلبٍ نقي، وعينٍ لا تنام عن صقرها.
⸻