مواطنو تبوك يتشاركون البطانيات ويتكدسون في الشقق الصغيرة وينامون في قصور الأفراح

المسئولون ما يزالون يتبادلون التهم والبيانات الصحفية غير الواقعية

مواطنو تبوك يتشاركون البطانيات ويتكدسون في الشقق الصغيرة وينامون في قصور الأفراح

شقران الرشيدي- سبق- الرياض: من حسنات المصائب والكوارث في بلادي أنها تكشف الزيف، وتعري وجوه الفساد، واللصوص، ومحترفي السرقة، والغشاشين وخائني الأمانة، ومن يدور في فلكهم من البيروقراطيين في قطاعاتنا الحكومية، وفي المناطق والإمارات المختلفة.. ومن حسنات السيول والأمطار في بلادي أيضاً أنها تعد اختباراً حقيقياً لمعرفة قدرات وتمكن المسؤولين، وطبيعة اهتماماتهم، وكيف يتعاملون مع هذه الكوارث والأزمات، ومقدار ما يعنيهم لهم الوطن وحياة المواطن وحاله ومحاله.

في كارثة جدة صدمنا عند معرفة أن آخر اهتمامات مسؤوليها حياة المواطنين، وإلا كيف يفسر سماحهم بالبناء في مجاري الأودية والسيول، وهم يعلمون مدى خطورتها، كذلك فجعنا بأن منهم من باع أمانته وخانها، مقابل حفنة من الريالات، وصدمنا أكثر بوجود عصابة محترفة منظمة يعبثون بجدة منذ سنوات، ويهيمنون على مقدراتها وأموالها، ويتهادون بينهم السيارات الفاخرة، والمخططات الواسعة دون حسيب أو رقيب. حتى غدت عروس البحر الأحمر عجوزاً شمطاء لا يرغبها أحد.

ولأن الحديث يجر حديثاً.. فإن كارثة تبوك التقصير فيها كان أوضح، والإهمال أوجع، والاستهتار أبلغ ووصل مداه، ولا يمكن السكوت عنه أكثر من ذلك.. وفي تبوك سقطت الأقنعة عن الفساد والفاسدين والمفسدين من الكبار والصغار، وأزالت الأمطار مساحيق وضعت لتجميل ما لا يجمل من بناها التحتية المتهالكة، وكشفت انحراف مسارات المال العام في مشاريع تنموية احتكرتها مؤسستان اثنتان دون غيرهما.. قرأ وسمع عنها المواطن كثيراً؛ لكنها كانت تشيد مشاريع من الملح ذابت عند أول قطرات مطر سُكبت عليها، وخسَّرت المواطن كل ما يملك بسببها.

لقد أبرزت كارثتا جدة وتبوك أن المسؤولين لدينا في تعاطيهم مع الكوارث والأزمات أنواع وأشكال؛ فمنهم من يتصدى بشجاعة للمسؤولية، وثقته عالية في نفسه ومن حوله، فيقود الأزمة ويحرك الجميع ولا يهدأ حتى يضع الحلول المناسبة لها، وخير مثال على هذا المسؤول والقائد الناجح هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رجل الإصلاح، الذي قطع قبل سنوات زيارة رسمية له خارج المملكة وعاد لأرض الوطن ليتفقد منطقة جازان التي كانت منكوبة في ذات الوقت بحمى الوادي المتصدع، ومما ينقل عنه- حفظه الله- أنه رفض لبس القناع الطبي الذي قدَّمه له وزير الصحة خوفاً عليه من العدوى، فقال له: "لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"، وأكمل جولته وبثَّ الثقة والحماس في نفوس العاملين، وتابع حتى أزال الله الغمة عن المنطقة وأهلها.

وهناك العديد من الأمثلة والإضاءات المهمة من مسؤولين أكفاء قاموا بمسئولياتهم على أكمل وجه.

إن ما تم تداوله مؤخراً في مواقع التواصل الاجتماعي من مكالمات بين مسؤولين في منطقة تبوك يتبادلون التهم بينهم بمفردات موجعة جبانة، وكل يحمل الآخر مسؤولية الإضرار وما لحق بالبلاد والعباد من مصائب، وذكرهم أن المسؤول الكبير ما يزال خارج المملكة حالياً، ولا يستطيعون "التخريب" عليه، وأن مسؤولا آخر يتنزه مع أولاده في سويسرا، وقيام بعضهم ببث البيانات الصحفية المستفزة التي تصر بكل "صفاقة" على أن الأمور طبيعية في الإمارة، وأن ما حدث من دمار ومآسٍ تم معالجته؛ ليثبت تدني قدراتهم الإدارية، ويعكس تفشي الواسطة والمحسوبية والاستهتار، وضعف المحاسبة والمراقبة على مشاريع الوطن ومقدراته.

واستخفافهم بالمواطن الذي أصبح بسببهم يتشارك البطانية مع الآخرين خوفاً من البرد، والآخر الذي يسكن الشقق الصغيرة مع أكثر من 19 شخصاً، والثالث الذي سكن قصور الأفراح ليلملم شتات عائلته، والرابع الذي اصطف في الطوابير ينتظر الإغاثة والإيواء والأغذية والمساعدات كاللاجئين في الدول الفقيرة.

فحسبنا الله على من جعلهم بهذه الحالة المزرية. وحسبنا الله على من خان الأمانة وأضاع المسؤولية في بلادي.