قليلة هي المرا ت التي جمعتني به وجعلتني أتحدث إليه، لمست فيه سعة الأفق وإنسانية النظرة
كثيرون أولئك الذين كانوا يذمونه ويرمونه بحدة المزاج والتقلب والرغبة في الإيقاع بالآخرين، ولكنني لم أر فيه ما يرون، وكنت أعتقد أن الإنسان مهما كان سيئا فهناك في مكان ما من نفسه بقعة مضيئة أستطيع أن أفتح لي فيها نافذة تواصل إنساني وبهذا الاقتناع سارت معرفتي به0
ثم قربتنا الظروف وبدأت أعرفه000 لطف وود حديث رقيق مع الكبار وتعال وغطرسة مع الصغار0
ورحت أفتح عيني جيدا أحاول معرفة هذا الإنسان الجديد الذي يتخلق أمامي، في كل يوم كنت أكتشف أشياء خافية علي، وحمدت له أنه فتح أمامي باب اكتشاف نمط إنساني لم يكن معروفا لدي0
أسفت له وهو يزمجر في وجوه من لايرجو منهم نفعا، ورثيت له وهو ينمحي أمام فتات رضا الذين بيده أمره وكانت مواجهة، وكان هو الشاهد00 ورأيته وهو يخرج من جلده ويتماهى بالآخر ، سكت الآخر وتحدث هو ووجدت نفسي غير قادر على متابعة ما يقول بل منساق إلى تتبع ملامح الإنسان وهي تتبدل وقناعاته وهي تتغير ونبرة صوته وهي تتقلب لتناسب النغمة الجديدة0
وقلت في نفسي: الإنسان مشروع لم يكتمل وما زال أمامي الكثير من الخبرات والتجارب لأقارب اكتمالي، ومرة ثانية حمدت له أنه جعلني أرى رؤية العين الإنسان في لحظة انسلاخه عن نفسه وتحوله إلى نقيضه0
باعدت بيننا الظروف فغاب عن ذاكرتي ، لكنها عادت لتجمع بيننا فقد حل محل زميل قديم له نقل من مكانه وكنت أعتقد أن الزمالة القديمة تعني الود وإن لم تعني الود فعلى الأقل عدم الإساءة00
لكن يبدو أن الود عنده له اتجاه واحد وهو ود من في الأعلى، ورأيته وهو منهمك في نبش وأوراق وملفات وحديث عن أخطاء وسقطات سيرفعها إلى الأعلى0
رغماً عني سألته:
لماذا تحب أن تشوه صورة الآخرين؟؟
نظر إليّ00 رأيته بلا ملامح00 حرك شفتيه وتحدث ولكنني لم أسمع صوته تمنيت أن أقول له:
ليتك تستعيد ملامحك وتسترجع صوتك وتوقظ كبرياء الإنسان الغافية في أعماقك عندها ستعرف أن الدنيا الزوال لاتستحق كل هذا الانحدار!