السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
كيف حالكم وعساكم طيبين أن شاء الله
قال : أبو منصور الثعالبي (350هــ/429هــ)
في كتابه : خاص الخاص
عجائب الشعر والشعراء
امـــرؤ الــــــقــــيـــس:
من عجيب شأنه أنه قال في الجاهلية ما جاء فيه شرائط أهل الجنة وأوصافها، وإن كان لم يعرفها ولم يؤمن بها حيث قال:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي = وهل يعمن من كان في العصر الخالي
وهــــل يـــعــمــن إلا سعيد مخلد = قليـــل الهموم مــــا يبيت بأوجــــــال
فذكر السعادة التي هي جامعة خير الدارين، ثم الخلود الذي هو أحسن أحوال أهل الجنة، ثم ذكر قلة الهموم التي هي أجل الرغائب، ثم أشار إلى الأمن وهو أنفس المواهب، ولا مزيد على هذه الأربع.
ويقال إن أمير شعر الشعراء قوله:
الله أنجح ما طلبت به = والبر خير حقيبة الرحل
فإن فيه الاستنجاح بالله عز ذكره ومدح البر والحث عليه بأحسن لفظ وأوجزه، ولو قال ذلك في الإسلام أبو العتاهية أو محمود الوراق لما زادا.
زهـــير بـــن أبــــي ســـلـــمى:
يقال إنه أجمع الشعراء للكثير من المعاني في القليل من الألفاظ، وأبياته التي في آخر قصيدته التي أولها:
"أمن أم أوفى دمنة لم تكلم"
تشبه كلام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وهي غرة حكم العرب ونهاية في الحسن والجودة تجري مجرى الأمثال الرائعة الرائقة، وهي:
ومن يك ذا فضل، فيبخل بفضلـــــــــه = على قومه، يستغن عنه ويذمم
ومـــن يغترب، يحسب عدوا صديقه = ومــن لا يكرم نفسه لا يكرم
ومن لا يذد عن حــــوضه بسلاحـــــه = يــهدم، ومن لا يظلم الناس يظلم
ومهما تكن عند امرىء من خليـــــقة = ولو خالها تخـــفى على الناس تعلم
ومن لا يصانـــع في أمور كثيرة = يضرس بأنياب ويوطأ بمنسم
ومما وقع الإجماع على أنه أمدح بيت قالته العرب قوله:
تراه إذا ما جئته، متهللا = كأنك تعطيه الذي أنت سائله
الــنـــابـــغـــة الــذبــيــانـــي:
يقال إنه أحسن شعراء الجاهلية ديباجة وأكثرهم رونق كلام، وكأن شعره كلام الكتاب ليس فيه تكلف ولا تعسف، وأجود شعره النعمانيات؛ ومن عجائبه فيها أنه شبه النعمان مرة بالليل ومرة بالشمس، فسحر وبهر حيث قال:
فإنك كالليل الذي هو مدركي = وإن خلت أن المنتأى عنك واسع
وقال:
فإنك شمس والملوك كواكب = إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
وأحسن ما قيل في الإنزعاج لوعيد الملوك، قوله:
نبئت أن أبا قابوس أوعدني = ولا قرار على زأر من الأسد
وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال يوما لجلسائه: من الذي يقول:
فلست بمستبق أخا لا تلمه = على شعث أي الرجال المهذب
قالوا: النابغة، قال: هو أشعر شعرائكم.
أوس بــن حـــجـــر:
قال أبو عمرو بن العلاء: ليس للعرب مطلع قصيدة في المرثية أحسن من قول أوس:
أيتها النفس أجملي جزعا = إن الذي تحذرين قد وقعا
وبيت القصيدة العجيب قوله:
الألمعي الذي يظن بك ال = ظن كأن قد رأى وقد سمعا
طـــرفــة بــن الــعــــبـــد:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يتمثل بقوله ولا يقيم بوزنه:
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا = ويأتيك بالأخبار من لم تزود
وكان ابن عباس يقول إنه كلام نبي يجمع الحكمة والمثل.
ويقال إن أمير شعره قوله:
قد يبعث الأمر الكبير صغيره = حتى تظل له الدماء تصبب
عـــلــقــمـة بــن عــبـــدة:
قال أبو القاسم الآمدي: أحسن شعر الشعراء المتقدمين ما يشبه في السهولة والعذوبة شعر المحدثين، قول علقمة:
فإن تسألونـــي بالنساء فإننــــي = خبير بأدواء النساء طبيب
إذا شاب رأس المرء أو قل مالــه = فليس له في ودهن نصيب
يردن ثراء الــمال حيــــث عـــلمنه = وشرخ الشباب عندهن عجيب
الــحــارث بن حـــلـــزة:
قال الصولي: لم يوصف تأهب القوم للزم وتهيؤهم للارتحال بأحسن من قوله:
أجمعوا أمرهم عشــــاء فــلـــمـــا = أصبــحوا أصبحت لهم ضوضاء
من منــاد ومــن مجيب ومن تص = هــال خـيــــل خــلال ذا ورغــاء
الــشــنــفـرى الأزدي:
من عجيب شعره قوله في وصف المرأة وليس له في شعراء المتقدمين نظير:
فدقت وجلت واسبطرت واظلمت = فلو جن إنسان من الحسن جنت
وما أقل التجنيس في شعر الجاهلية، ومن ذلك القليل قوله:
ورحنا كأن البيت حجر فوقنا = بريحانة ريحت عشاء فظلت
أبــو الــطــمــحــان الــقـيـني:
حدثني أبو بكر الخوارزمي، قال: ربما أريد البكاء في بعض مواضعه فيمتنع علي كما هو إلا أن أنشد لأبي الطمحان فيما بيني وبين نفسي حتى تنحل عقد
الدمع:
ألا عللاني قبل صدح النوائـــــــح = وقبل ارتقاء النفس فوق الجوانح
وقبل غد يا لهف نفسي على غد = إذا راح أصحابي ولست برائح
إذا راح أصحـــابي تفيض دموعهم = وغودرت فـــي لحد على صفائحي
يقولـــون هــــــل أصلحــتم لأخيكـــم = وما اللحد في الأرض الفضاء بصالح
الأعــشـــى:
واسمه ميمون بن قيس: قال ابن عائشة القرشي: ما كانت العرب تعرف التداوي من الخمار حتى قال الأعشى:
وكــــأس شربت علـى لذة = وأخـــرى تداويت منـها بها
لكي يـعلم الناس أني فتى = أتيت المروءة مــــن بابها
فاحتذى الناس على تمثله، قال الشاعر:
تداويت عن ليلى بليلى من الهوى = كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
وقال أبو نواس:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء = وداوني بالتي كانت هي الداء
وكان الأصمعي يقول: أهجى بيت للعرب قول الأعشى في علقمة:
تبيتون في المشتى ملاء بطونكم = وجاراتكم غرثى يبتن خمائصا
ويروي أن علقمة لما سمع هذا البيت، بكى وقال: اللهم أجزه وأخزه إن كان كاذبا.
وقال أبو علي الحاتمي:
من عجائب الاتفاقات وغرائبها وبدائعها أن الأعشى من صدور شعراء الجاهلية، ومسلم بن الوليد من صدور المحدثين، وأبا الطيب من صدور العصريين،
وقد شلشل الأعشى وسلسل مسلم وقلقل أبو الطيب.
أما الأعشى فإنه يقول:
وقد غذوت إلى الحانوت يتبعني = شاو مشل شلول شلشل شول
وأما مسلم بن الوليد. فإنه يقول:
سلت وسلت ثم سل سليلها = فأتى سليل سليلها مسلولا
وأما المتنبي، فإنه يقول:
فقلقلت بالهم الذي قلقل الحشا = قلاقل عيس كلهن قلاقل
وقد بلبل بعض العصريين، فقال:
وإذا البلابل أفصحت بلغاتها = فأحس البلابل باحتساء بلابل
لــبــيد بـــن ربــيــعــة:
يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل = وكل نعيم لا محالة زائل
وقيل لبشار بن برد: أخبرنا عن أجود بيت للعرب! فقال: إن تفضيل بيت واحد على سائر شعر العرب لشديد، ولكن أحسن لبيد كل الإحسان في قوله:
وأكذب النفس إذا حدثتها = إن صدق النفس يزرى بالأمل
وقال الجاحظ: من العجائب أن الأعشى كان في الجاهلية يعتقد مذهب المعتزلة، فيقول:
استأثر الله بالوفاء وبال = حمد وولى الملامة الرجلا
ولبيد يذهب مذهب أهل السنة والجماعة، فيقول:
"وبإذن الله ريثي وعجل"
النمر بن تولت وحميد بن ثور والنابغة الجعدي:
إنهم اجتمعوا في الجاهلية على معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "كفى بالسلامة داء" فتناهبوه بحسن ألفاظهم وكأنما رموا عن قوس واحد،
فقال النمر بن تولب:
يود الفتى طول السلامة جاهدا = فكيف ترى طول السلامة يفعل
وقال حميد بن ثور:
أرى بصري قد رابني بعد صحة = وحسبك داء أن تصح وتسلما
وقال النابغة الجعدي:
ودعوت ربي بالسلامة جاهدا = ليصحني فإذا السلامة داء
الــحــطــيــئــة:
واسمه جرول بن مالك، كان راوية زهير، فنجم مقبول الكلام شرود القافية،خبيث اللسان، حتى إنه هجا أباه وأمه وامرأته ونفسه،
فمن قوله في أبيه وخاله وعمه:
لحاك الله ثم لحاك حقا = أبا، ولحاك من عم وخال
فنعم الشيخ أنت لدى المخازي = وبئس الشيخ أنت لدى المعالي
ومن قوله في أمه:
تنحي واقعدي عنا بعيدا = أراح الله منك العالمينا
أغربالا إذا استودعت سرا = وكانونا على المتحدثينا
ومن قوله في نفسه:
أبت شفتاي اليوم إلا تكلما = بسوء فما أدري لمن أنا قائله
أرى لي وجها شوه الله خلقه = فقبــــــح من وجه وقبح حامله
وصب الله به على الزبرقان بن بدر سوط عذاب حتى أحرقه بهجائه وأمضه وأرمضه بقصيدته التي يقول فيها:
لــــقـــد مريتكم لو أن درتــــكم = يـوما يجيء بها مسحي وإبساسي
أزمـعت يأسا مريحا من نوالكم = ولــــن ترى طاردا للحر كـــــالياس
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه = لا يــــذهب العرف بين الله والناس
دع المكارم لا ترحل لبغيتها = واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
أبو نواس:
كان المأمون يقول: لو نطقت الدنيا لما وصفت نفسها بأحسن من قوله:
إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت = له عن عدو في ثياب صديق
وقال عمر بن شبة: قال سفيان بن عيينة لرجل من أهل البصرة: قد أحسن والله أبو نواس في قوله:
يا قمرا أبصرت في مأتــم = يندب شجوا بين اتراب
يبكي فيلقي الدر من نرجس = ويلطم الورد بعناب
وإذا أعجب به سفيان مع زهده وورعه فما الظن بغيره وقال هارون بن علي بن يحيى المنجم:
أجمع أهل العلم بالشعر على أن أجود بيت للمحدثين في المدح قول أبي نواس:
وكلت بالدهر عينا غير غافلة = بجود كفك يأسو كل ما جرحا
وقال غيره بل قوله:
أنت على ما بك من قدرة = فلست مثل الفضل بالواجد
وليس على الله بمستنكر = أن يجمع العالم في واحد
ومما يجمع الظرف والإعجاب والإطراب قوله:
أربعة مذهبة = لكل هم وحزن
تحيى بها عين ورو ح وفؤاد وبدن
الماء والبستان والقهوة والوجه الحسن
يــــــــتــــــبـــــــع،،،،،،،،،،،
تحياتي لكم ،،،،،،