تقبيح الحسن
1-تقبيح القناعة
كان بعض بني المهلب يقول: من اتخذ القناعة حرفة وصناعة تلحف بالخمول، وفاتته معالي الأمور. وقال غيره: القناعة من صغر النفس وقصر الهمة وضعف العزيمة، فلا ترض لنفسك إلا كل غاية.
2-تقبيح العقل
كان يقال: العقل والهم لا يفترقان.
وقال ابن المعتز:
وحلاوة الدنيا لجاهلها * ومرارة الدنيا لمن عقلا
ومن فصوله القصار: من كان عاقلاً لم يسم إلا غافلاً. ومنها فصل في نهاية الحسن وجودة التمثيل، وهو قوله: العقل كالمرآة المجلوّة، يرى صاحبها مساوئ الدنيا، فلا يزال في صحوه مهموماً متعذر السرور، حتى يشرب النبيذ،
فإذا ابتدأ بشربه صدئ عقله بمقدار ما يشرب. وإن أكثر منه غشيه الصدأ كله، حتى لا تظهر له صور تلك المساوئ، فيفرح ويمرح. والجهل كالمرآة الصدئة (فلا يرى صاحبها إلا مسروراً) قبل الشرب وبعده.
ومن قلائد أبي الطيب المتنبي قوله:
ذو العقل يشقى في النعيم بعقله * وأخو الجهالة في الشقاوة ينعم
وقال أبو الفتح ابن جني: هذا مثل قولهم: ما سر عاقل قط. وقال آخر: ثمرة الدنيا السرور، ولا سرور للعقلاء.
3-تقبيح الأصدقاء والأخوان
كان عمرو بن العاص يقول: من كثر إخوانه كثر غرماؤه. يعني في قضاء الحقوق.
وكان عمرو بن مسعدة يقول: العبودية عبودية الإخاء لا عبودية الرق.
وقال إبراهيم بن العباس:مثل الإخوان كالنار، قليلها متاع وكثيرها بوار.
وقال الكندي لابنه: يا بني الأصدقاء هم الأعداء. لأنك إذا احتجت إليهم منعوك، وإذا احتاجوا إليك سلبوك وشابوك.
وكان بعضهم يقول في دعائه: اللهم احرسني من أصدقائي. فإذا قيل له في ذلك قال: إني أقدر على الاحتراس من أعدائي ولا أقدر على الاحتراس من أصدقائي.
4-تقبيح الجود
قال أبو الأسود: الجود تبذير. والمبذرون إخوان الشياطين. وكان يقول: لا تجادوا الله فإنه أجود وأمجد، ولو شاء أن يوسع على خلقه حتى لا يكون فيهم محتاج لفعل.
وكان ابن المقفع يقول: إن مالك لا يعم الناس، فاخصص به ذوي الحق من أهلك، ودع الأجانب جانباً.
5-تقبيح الحياء
كان يقال: الحياء يمنع الرزق، وقد قرنت الهيبة بالخيبة، والحياء بالحرمان.
وقال بعض المحدثين: استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، وأموركم بالوقاحة والإبرام، ودعوا الحياء لربات الحجال.
وقال آخر: هذا زمان يزمن ذوي الحياء، والوقاحة رأسمال وافية.
وقال الشاعر:
سألت زماني، وهو بالجهل عالم وبالسخف مشهور، وبالنقص مختص
فقلت له: هل من سبيل إلى الغنى * فقال: طريقان، الوقاحة والنقص
6-تقبيح الشجاعة
قال بعضهم: الشجاعة تغرير بالنفس. والتغرير مفتاح الهلكة.وكان بعضهم يقول: الفرار في وقته ظفر.
وقال محمد بن أبي حمزة العقيلي مولى الأنصار:
قامت تشجّعني هند، وقد علمت * أن الشجاعة مقرون بها العطب
يا هند لا والذي حج الحجيج له * ما يشتهي الموت عندي من له أدب
7-تقبيح الحلم
كان يقال: من عرف بالحلم كثرت الجرأة عليه، وقلت الهيبة له.
وقال بعض السلف: الحلم ذل كله.
وكان أبو العباس السفاح يقول: إذا كان العفو مفسدة، كان الحلم معجزة.
8-تقبيح المشورة
كان عبد الملك بن صالح الهاشمي يقول: ما استشرت أحداً قط إلا تكبر عليّ، وتصاغرت له، ودخلته العزة، ودخلتني الذلة. فإياك والمشورة، وإن ضاقت بك المذاهب، وأداك الاستبداد إلى الخطأ والفساد.
وكان عبد الله بن طاهر يقول: ما حكّ ظهري مثل ظفري، ولأن أخطئ مع الاستبداد ألف خطأ أحب إليّ من أن أستشير، فألحظ بعين النقص والحاجة.
9-تقبيح التأني
كان يقال: إياكم والتأني في الأمور، فإن الفرص تمر مرّ السحاب، والآفات في التأخيرات.
وكان ابن عائشة القرشي يقول: الفلك أبعد من أن يحتمل معه التأني والتثبت، وخير الخير أعجله.
وقيل لأبي العيناء: لا تعجل فإن العجلة من الشيطان. فقال: لو كانت كذا لما قال الله حكاية عن كليمه موسى عليه السلام: "وعجلت إليك رب لترضى".
10-تقبيح الخط والقلم
نظر المأمون يوماً في خط أحمد بن يوسف، وهو يكتب بين يديه، فقال: وهو ينتفس الصعداء: يا أحمد أود لو أن خطك لي بنصف ملكي. فقال: يا أمير المؤمنين لو أن في الخط فضيلة لما حرمه الله أعز خلقه وأجل رسله محمداً صلى الله عليه وسلم.
أنظر : (تحسين القبيح وتقبيح الحسن/أبو منصور الثعالبي) ت : 350-429هــ