السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
كيف حالكم وعساكم طيبين أن شاء الله
أقدم لكم شاعراً من شعراء العصر الأموي وهو :
الأخــــطـــــل (19- 92هــــ،/ 640-710م).
نـــســبـــــه وحـــيــــاتــــه
هوغياث بن غوث بن الصلت بن طارقة بن عمرو، أبو مالك، من بني تغلب.
شاعر مصقول الألفاظ، حسن الديباجة، في شعره إبداع. اشتهر في عهد بني أمية بالشام، وأكثر من مدح ملوكهم.
وهو أحد الثلاثة المتفق على أنهم أشعر أهل عصرهم: جرير والفرزدق والأخطل.
نشأ على المسيحية في أطراف الحيرة بالعراق واتصل بالأمويين فكان شاعرهم، وتهاجى مع جرير والفرزدق، فتناقل الرواة شعره. وكان معجباً بأدبه، تياهاً، كثير العناية بشعره. وكانت إقامته حيناً في دمشق وحيناً في الجزيرة.
وأمه ليلى من إياد، وكنيته أبو مالك، ولقبه دَوْبَل. وقد غلب لقب الأخطل على اسمه الأصلي.
نشأ بذيء اللسان فلقب الأخطل (أي السَّفيه) وكان على النصرانية دين قومه تغلب.
جعله ابن سلام في الطبقة الأولى من الشعراء الإسلاميين. نشأ في بادية الجزيرة وصار بينه وبين شاعر تغلب الفذ كعب بن جُعَيْل هجاء مر كشف عن شاعر شاب في مقتبل العمر يستطيع أن ينهض في شعره، ويدافع عن مكارم قومه. وأتاحت له الأقدار في شبابه فرص الظهور والتميز، إذ انتهت حروب علي ومعاوية بغلبة معاوية. وكانت تغلب من أهم القبائل التي وقفت مع معاوية، وعندما استتب الأمر له بدأت ظاهرة التذمر من أهل العراق والحجاز.
وحدثت بين الأمويين والأنصار (وكانوا مغاضبين لبني أمية) معركة شعرية احتاج يزيد بن معاوية فيها إلى لسان شاعر يدفع عنه ما أصابه من هجاء، فهاب الشعراءُ الأنصارَ وهجاءَهم. ولم يجد كعب بن جُعَيْل ـ الشاعر الأموي ـ بُدًا من تزكية الأخطل ليزيد بن معاوية، فهو الشاعر الذي يُقْدِم على مثل هذه المخاطرة الكبرى، وقد فعل، فهجا الأنصار واتصلت بعد ذلك أسبابه بالبيت الأموي حتى صار في عهد عبدالملك بن مروان شاعر الخليفة الرسمي. ومثلما كان يزيد سببًا في هجاء الأخطل للأنصار، كان بشر بن مروان أخو عبدالملك بن مروان سببا جرَّه إلى حومة النقائض بين جرير والفرزدق حين دعاه إلى أن يحكم بينهما، وأن يُفَضِّل أحدهما على الآخر، ففعل بعد تردد،
ووصف حكومته (أي حُكُمَه) بينهما بأنها مشئومة.
والأخطل صاحب المقولة المشهورة في تلك الحكومة:
( جرير يغرف من بحر والفرزدق ينحت من صخر).
وحدث ماتوقع الأخطل فهجاه جرير هجاء مرًا ورد الهجاء بمثله وتحولت معركة جرير معه إلى نقائض أخرى تضعضع فيها أمام جرير في بعض المواقف ولم ينهزم حتى آخر لحظة من حياته وهو يجود بنفسه إذ قال عند موته، وقد طُلب منه أن يوصي :
أوصي الفَرَزْدَقَ عِنْدَ المَمَاتِ = بـِأُمِّ جَرِيْـرِ وأَعْيَارِهَـا
ولم يمنع الموت جريرًا أن ينقض ذلك فقال :
وَزَارَ القْبُورَ أَبُو مالِكِ = فَأَصْبحَ ألأمَ زُوَّارِهَـا
عالج الأخطل في شعره مختلف الأغراض وإن غلب المدح والوصف عليه. وديوانه محقق مطبوع. والنقائض مطبوعة أيضًا.
يقول في مدح الأمويين:
أعطاهم الله جَدَّاً يُنْصرون به = لاجَدَّ إلا صغير بعدُ مُحْتَقَرُ
شُمْسُ العداوة حتى يُسْتقادَ لهـــم = وأعظمُ الناس أحلامًا إذا قدروا
ويقول في الهجاء الساخر المتهكم:
قومٌ إذا استنبح الأضيافُ كلبَهم = قالوا لأمهم بُولي على النار
وقد استأثرت الخمر بأوصاف كثيرة من صوره الشعرية، ويعزى ذلك إلى نصرانيته واستغراقه في الشراب، من ذلك قوله:
خَفّ القَطين، فراحوا منك أو بَكَروا = وأزْعَجَتْهُم نَوى في صَرْفِها غِيَرُ
كأنني شارب يـــوم استــــــبدَّ بـــــهم = من قَرْقفٍ ضمنتها حمص أو جَدَرُ
جادت بها من ذوات القار مــتــــرعةٌ = كلفاءُ يَنْحَتُّ عن خرطُومها المدَرُ
ويستهل كذلك إحدى نقائضه بالخمر فيقول:
بكر العواذل يبتدرن ملامــــتي = والعالمون فكلهم يلحاني
في أن سُقيت بشربة مقـــــــذيـــة = صَرْف مشعشَة بماء شُنان
فظللت أسقي صاحبي من بَرْدِها = عَمْدًا لأرويه كما أرواني
وذكرت إذ جرت الشمال فهيجت = شــــــوقًا لنا ريّا وأم أبانِ
ومـــــن قـــــــصــــــــائــــــــده:
(1)
راحٌ تَعارَفَ فيها مَعشَرٌ شُطُرٌ = ما بَينَهُم غَيرَها إِلٌّ وَلا نَسَبُ
كَأَنَّها حينَ تَجلوها بِمَنـــــــزِلَةٍ = مِنَ الدِنانِ عَلى خُطّابِها لَهَبُ
تَرى الزُجاجَ وَلَم يُطمَث يَدورُ بِها = كَــأَنَّهُ مِن دَمِ الأَجوافِ مُختَضِبُ
حَتّى إِذا اِقتَضَّ ماءَ المُزنِ عُذرَتَها = راحَ الزُجاجُ وَفي أَلوانِهِ صَهَبُ
تَنزو إِذا صَبَّ فيها الماءَ مارِجُـــها = نَزوَ الجَنادِبِ مِن رَمضاءَ تَلتَهِبُ
حَتّى إِذا أَخَذَت مِنهُم مَآخِذَهــــــا = وَأَنغَضوا الهامَ حَتّى كادَ يَنقَلِبُ
راحوا وَهُم يَحسِبونَ الأَرضَ في فَلَكٍ = إِن صُرِّعوا وَقَتِ الراحاتُ وَالرُكَبُ
إِذا هَوى بَعضُهُم مِنها لِمـــــَفـــرِقِــهِ = قالوا اِنتَهِض ما عَلى شَرّيبِها عَطَبُ
(2)
وَأَبيَضَ لا نِكسَسٍ وَلا واهِنِ القُوى = سَقَيتُ إِذا أَولى العَصافيرِ صَرَّتِ
رَدَدتُ عَلَيهِ الكَأسَ غَيرَ بَطيئَةٍ = إِلى اللَيلِ حَتّى هَرَّها وَأَهَرَّتِ
فَقامَ يَجُرُّ البُردَ لَو أَنَّ نَفسَــهُ = بِكَفَّيهِ مِن رَدِّ الحُمَيّا لَخَرَّتِ
وَأَدبَرَ لَو قيلَ اِتَّقِ السَيفَ لَم تَخَل = ذُؤابَتَهُ مِــــن خَـــشــيَةٍ إِقشَعَرَّتِ
(3)
هَلّا أَنَختُم لِاِبنِ وَحفٍ فَإِنَّـــهُ = لَكُم بِالمَخازي يَومَ أَبقَينَ مَتيَحُ
وَرَدَّ عَلَيكُم مُردَفاتِ نِسائِكُم = بِبَطحاءِ ذي قارٍ صَلادِمُ قُرَّحُ
فَأَنقَذَهُنَّ الضَربُ وَالطَعنُ بِالقَنا = وَأَيــــــدٍ بِأَبطالِ الكَتيبَةِ تَجرَحُ
وَكُلُّ طَويلِ الساعِدَينِ كَأَنَّــــــــهُ = فَنيقٌ خَطيرٌ يَفرَعُ الناسَ شَرمَحُ
(4)
لَقَد غَدَوتَ عَلى النَدمانِ لا حَصِرُ = يُخشى أَذاهُ وَلا مُستَبطَأٌ زَمِرُ
طَلقُ اليَدَينِ كَبِشرٍ أَو أَبي حَنَــــشٍت = لا واغِلٌ حينَ تَلقاهُ وَلا حَصِرُ
وَقَد يُغادي أَبو غَيلانَ رُفقَــتَـــــهُ = بِقَهوَةٍ لَيسَ في ناجودِها كَدَرُ
سُلافَةٍ حَصَلَت مِن شارِفٍ خَلَقٍ = كَأَنَّما فارَ مِنها أَبجَلٌ نَعِرُ
عانِيَّةٌ تَرفَـــــــــعُ الأَرواحُ نَـفـــحـــَتَــــهــا = لَو كانَ تُسقى بِها الأَمواتُ قَد نَشَروا
وَقَد أُحادِثُ أَروى وَهيَ خــــالِـــيَــــةٌ = فَلا الحَديثُ شَفى مِنها وَلا النَظَرُ
لَيسَت تُداويكَ مِن داءٍ تُــــخــــامِرُهُ = أَروى وَلا أَنتَ مِمّا عِندَها تَقِرُ
تــــــحـــــــــيـــــاتــــــي لـــــكـــــــم،،،،،،،،،