عرض مشاركة واحدة
قديم منذ /13-02-2009   #2

 

الصورة الرمزية سلطان الجريش

 

سلطان الجريش غير متواجد حالياً

 رقم العضوية : 175
 تاريخ التسجيل : Jan 2009
 المشاركات : 187
 النقاط : سلطان الجريش is on a distinguished road
 تقييم المستوى : 206

مزاجي
رايق
افتراضي

مناقبه و أخلاقه

كان عهد هشام يعتبر حدّا فاصلا بين عهد ازدهار الدولة الأموية وعلو شأنها وبين عهد اضمحلالها، وانتشار العوامل الفتاكة في جسمها، إن الخليفة "هشامًا" يمثل رابع الخلفاء الأمويين الأقوياء الكبار بعد "معاوية بن أبى سفيان" و" عبد الملك بن مروان" و"الوليد بن عبدالملك"، لقد استطاع أن يسير على نهجهم في القبض على شئون الدولة بحزم وعزم وقوة، وأن يكبت جميع عوامل الفتن التي سبق أن أظهرت عداءها، وأطلت برأسها. قد يكون هشام من عباقرة الحكام، لكنه كان على أي حال قديراً دؤوباً على العمل، صادقا مع نفسه، وناجحاً في حكمه، وتوفي والدولة تنعم بالرخاء. كانت مصلحة الدولة عنده فوق الاعتبارات القبلية، وكان الجهاز الإداري في عهده انعكاساً لشخصيته، حيث عهد بالحكم إلى رجال مخلصين وأصحاب كفاءة، محاولاً، بذلك إصلاح ما فسد

وكان في خلافته حازم الرأي جمَّاعاً للأموال يبخل، وكان ذكياً مدبراً له بصر بالأمور جليلها وحقيرها، وكان فيه حلم وأناة‏ واجتمع في خزنة الدولة في عهده من الأموال مالم يجتمع في خزانة أحد من خلفاء بني أمية من قبل ..
وقال بعض آل مروان لهشام: أتطمع في الخلافة وأنت بخيل جبان؟ قال: ولم لا أطمع فيها وأنا حليم عفيف!

شتم مرة رجلاً من الأشراف فقال‏:‏ أتشتمني وأنت خليفة الله في الأرض‏؟‏
فاستحيا وقال‏:‏ اقتص مني بدلها أو قال‏:‏ بمثلها‏.‏
قال‏:‏ إذا أكون سفيهاً مثلك‏.‏
قال‏:‏ فخذ عوضاً‏.‏
قال‏:‏ لا أفعل‏.‏
قال‏:‏ فاتركها لله‏.‏
قال‏:‏ هي لله ثم لك‏.‏ ‏
فقال هشام عند ذلك‏:‏ والله لا أعود إلى مثلها‏.‏

وقال الأصمعي‏:‏ أسمع رجل هشاماً كلاماً فقال له‏:‏ أتقول لي مثل هذا وأنا خليفتك‏؟‏

وقال هشام يوما للأبرش: أوضعت أعنزك؟ قال: إي والله، قال: لكن أعنزي تأخر ولادها، فاخرج بنا إلى أعنزك نصب من ألبانها، قال: نعم، أفأقدم قوما؟ قال: لا، قال: أفأقدم خباء حتى يضرب لنا؟ قال: نعم، فبعث برجلين بخباء فضرب، وغدا هشام والأبرش وغدا الناس، فقعد هشام والأبرش؛ كل واحد منهما على كرسي، وقدم إلى كل واحد منهما شاة، فحلب هشام الشاة بيده، وقال: تعلم يا أبرش أني لم أبس الحلب! ثم أمر بملة فعجنت وأوقد النار بيده، ثم فحصها وألقى الملة، وجعل يقلبها بالمحراث، ويقول: يا أبرش، كيف ترى رفقي! حتى نضجت ثم أخرجها، وجعل يقلبها بالمحراث، ويقول: جبينك جبينك. والأبرش يقول: لبيك لبيك - وهذا شيء تقوله الصبيان إذا خبزت لهم الملة - ثم تغدى وتغدى الناس ورجع

وكان الخلفاء وأبناء الخلفاء يتبدون ويهربون من الطاعون، فينزلون البرية خارجا عن الناس، فلما أراد هشام أن ينزل الرصافة في البرية قيل له: لا تخرج؛ فإن الخلفاء لا يطعنون؛ ولم نر خليفة طعن، قال: أتريدون أن تجربوا بي ؟؟!!!

وكان هشام من أكره الناس لسفك الدماء، ولقد دخل عليه من مقتل زيد بن علي وابنه يحيى أمر شديد وقال‏:‏ وددت أني افتديتهما بجميع ما أملك‏.‏

وقال المدائني، عن رجل من حيي، عن بشر مولى هشام، قال‏:‏ أتى هشام برجل عنده قيان وخمر وبربط، فقال‏:‏ اكسروا الطنبور على رأسه وقرنه، فبكى الشيخ، قال بشر‏:‏ فضربه، قال‏:‏ أتراني أبكي للضرب، إنما أبكي لاحتقارك البربط حتى سميته طنبوراً‏.‏

ولما حج هشام تلقاه فيمن تلقاه من يسأله لعن علي قال أبو الزناد فشق ذلك على هشام وأستثقله وقال ما قدمت لشتم أحد ولا لعنة أحد إنما قدمنا حجاجا ثم أعرض عنه وقطع كلامه وأقبل على أبي الزناد يحادثه ولما انتهى إلى مكة عرض له إبراهيم بن محمد بن طلحة - وهشام واقف قد صلى في الحجر - فقال له: أسألك بالله وبحرمة هذا البيت والبلد الذي خرجت معظما لحقه، إلا رددت على ظلامتي! قال: أي ظلامة؟ قال: داري، قال: فأين كنت عن أمير المؤمنين عبد الملك؟ قال: ظلمني والله، قال: فعن الوليد بن عبد الملك؟ قال: ظلمني والله قال: فعن سليمان؟ قال: فعن عمر بن عبد العزيز؟ قال يرحمه الله، ردها والله علي، قال: فعن يزيد بن عبد الملك؟ قال ظلمني والله، هو قبضها مني بعد قبضي له، وهي في يديك. قال هشام: أما والله لو كان فيك ضرب لضربتك، فقال إبراهيم: في والله ضرب بالسيف والسوط.
فانصرف هشام والأبرش خلفه فقال: أبا مجاشع، كيف سمعت هذا اللسان؟ قال: ما أجود هذا اللسان! قال: هذه قريش وألسنتها، ولايزال في الناس بقايا ما رأيت مثل هذا.



حرصه رحمه الله على الجهاد و إعلاء كلمة الله :


ففي عهده بلغت الإمبراطورية الإسلامية أقصى اتساعها، حارب البيزنطيين واستولت جيوشه على ناربونه وبلغت أبواب بواتيه (فرنسا) حيث وقعت معركة بلاط الشهداء

ولم يكن أحد من بني مروان يأخذ العطاء إلا عليه الغزو؛ فمنهم من يغزو، ومنهم من يخرج بدلا.
وكان لهشام بن عبد الملك مولى يقال له يعقوب، فكان يأخذ عطاء هشام مائتي دينار ودينارا، يفضل بدينار، فيأخذها يعقوب ويغزو. وكانوا يصيرون أنفسهم في أعوان الديوان، وفي بعض ما يجوز لهم المقام به، ويوضع به الغزو عنهم.أما من يتخلف عن الجهاد فإن هشاماً يمنعه العطاء كائناً من كان
فلا عجب أن تصبح الدولة في عهده قوة عظمى ترهبها كل الأمم ..
وكان حريصاً على أن يكون المجاهدون من الصالحين فقد كتب إلى مسلمة بن عبد الملك: طهر عسكرك من أهل الفساد فإن الله لا يصلح عمل المفسدين


وكان من حرصه أنه رأى قوماً يفرطون الزيتون، فقالوا‏:‏ القطوه لقطاً ولا تنفضوه نفضاً، فتفقأ عيونه وتكسر غصونه‏.‏

وكان يقول‏:‏ ثلاثة لا يضعن الشريف‏:‏ تعاهد الصنيعة، وإصلاح المعيشة، وطلب الحق وإن قل‏.‏
وقال أبو بكر الخرائطي‏:‏ يقال إن هشاماً لم يقل من الشعر سوى هذا البيت‏:‏
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى * إلى كل ما فيه عليك مقال
وقد روي له الشعر غير هذا‏.

‏ وشكى هشام إلى أبيه ثلاثاً‏:‏ إحداها‏:‏ أنه يهاب الصعود إلى المنبر، والثانية‏:‏ قلة تناول الطعام، والثالثة‏:‏ أن عنده في القصر مائة جارية من حسان النساء لا يكاد يصل إلى واحدة منهن‏.‏
فكتب إليه أبوه‏:‏ أما صعودك إلى المنبر‏:‏ فإذا علوت فوقه فارم ببصرك إلى مؤخر الناس فإنه أهون عليك، وأما قلة الطعام‏:‏ فمر الطباخ فليكثر الألوان فعلك أن تتناول من كل لون لقمة، وعليك بكل بيضاء بضَّة، ذات جمال وحسن‏.‏

وقال المدائني‏:‏ عن ابن يسار الأعرجي، حدثني ابن أبي بجيلة، عن عقال بن شبة، قال‏:‏ دخلت على هشام وعليه قباء فتك أخضر، فوجهني إلى خراسان، ثم جعل يوصيني وأنا انظر إلى القباء، ففطن فقال‏:‏ مالك‏؟‏
قلت‏:‏ عليك قباء فتك أخضر، وكنت رأيت عليك مثله قبل أن تلي الخلافة، فجعلت أتأمل هذا هو ذاك أم غيره‏.‏
قال‏:‏ والله الذي لا إله غيره هو ذاك، مالي قباء غيره، وما ترون من جمعي لهذا المال وصونه إلا لكم‏.

قال عقال‏:‏ وكان هشام محشواً بخلاً‏.‏

وقال عبد الله بن علي عم السفاح‏:‏ جمعت دواوين بني أمية فلم أر أصلح للعامة والسلطان من ديوان هشام‏.‏
من فضائله، أنه كان يجمع المال من وجوهه المشروعة، وينفقه في وجوهه المشروعة، دون تبذير أو تقتير، وهو حريض على تدقيق حسابات بيت المال، وإعطاء كل ذي حق حقه. يتفقد أعمال ولاته ويراقب نهجهم في الحكم وعُرف عنه كراهيته لسفك الدماء وكان حسن السياسة يقظاً يباشر الأعمال بنفسه ...

وقال المدائني‏:‏ عن هشام بن عبد الحميد‏:‏ لم يكن أحد من بني مروان أشد نظراً في أصحابه ودواوينه، ولا أشد مبالغة في الفحص عنهم من هشام،

وقال أبو عبد الله الشافعي‏:‏ لما بنى هشام بن عبد الملك الرصافة قال‏:‏ أحب أن أخلو بها يوماً لا يأتيني فيه خبر غم، فما انتصف النهار حتى أتته ريشة دم من بعض الثغور، فقال‏:‏ ولا يوماً واحداً ‏؟‏‏!‏

وقال سفيان بن عيينة‏:‏ كان هشام لا يكتب إليه بكتاب فيه ذكر الموت‏.‏ ‏

تربيته لأولاده على الدين و الجهاد :


حرص هشام على تربية أولاده تربية صالحة، وهو لا ينفك يرسلهم مع الجيوش للغزو. وشغلت السياسة الخارجية جانباً مهماً من اهتماماته. فقد وجَّه الجيوش للغزو، وحصَّن حدود الأمصار وثغورها. فكانت يداه مشغولتان بالمشاريع العسكرية حتى في أكثر المواقع تباعداً. وقد أحسن هشام تربية أولاده حين اختار لهم الإمام الزهري معلماً وكلنا يعلم مكانة هذا العالم الجليل الذي نشر العلم و الحديث من بلاط هشام بن عبد الملك الذي كان يلازمه و يستشيره و يحظى بمكانة خاصة عنده


وتفقد أحد ولده يوم الجمعة فبعث إليه‏:‏ مالك لم تشهد الجمعة‏؟‏
فقال‏:‏ إن بغلتي عجزت عني، فبعث إليه‏:‏ أما كان يمكنك المشي، ومنعه أن يركب سنة، وأن يشهد الجمعة ماشياً‏.‏

وكتب سليمان بن هشام إلى أبيه: إن بغلتي قد عجزت عني؛ فإن رأى أمير المؤمنين أن يأمر لي بدابة فعل. فكتب إليه: قد فهم أمير المؤمنين كتابك، وما ذكرت من ضعف دابتك، وقد ظن أمير المؤمنين أن ذلك من قلة تعهدك لعلفها، وأن علفها يضيع، فتعهد دابتك في القيام عليها بنفسك، ويرى أمير المؤمنين رأيه في حملانك
وفي مجال الجهاد :

مما تجدر به الإشارة أن معاوية ابن هشام بن عبد الملك هو والد صقر قريش و مؤسس دولة الإسلام في الأندلس (عبد الرحمن الداخل ) .. فلا عجب أن يأتي من صلب هشام و ابنه المجاهد العظيم معاوية أحد العظام بحجم عبد الرحمن الداخل.. فوالده معاوية بن هشام كان من أكثر المجاهدين في سبيل الله إلى جانب عمه مسلمة فارس بني مروان...

وسنذكر بعض غزوات أبناء هشام في عهد والدهم أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك ... فلم يكونوا كما يتصور من أبناء الخلفاء أن يكونوا في رفاهية و رغد من العيش بل كانوا يواجهون الدم ويجابهون العدو في الأيام الشاتية القارسة وفي قيظ الصيف الحارق ..كل ذلك وهشام يحرضهم و يوليهم قيادة الجيوش المجاهدة مرة بعد أخرى .. فنشأوا كما أحب والدهم أن يراهم من خيرة أمراء بني أمية جهاداً و إعلاءً لكلمة الله في الأرض

ففي سنة107هـ غزا معاوية بن هشام (والد عبد الرحمن الداخل ) الصائفة وعلى جيش أهل الشام ميمون بن مهران فقطعوا البحر إلى قبرص
وغزا مسلمة في البر في جيش آخر

وفي سنة 108 هـ
فتح إبراهيم بن هشام بن عبد الملك حصنا من حصون الروم أيضا
وفيها غزا معاوية بن هشام بن عبد الملك ارض الروم وبعث البطال على جيش كثيف فافتتح جنجرة وغنم منها شيئا كثيرا

في سنة 109هـ كانت غزوة معاوية بن هشام بن عبد الملك أرض الروم، ففتح حصنا بها يقال له طيبة، وأصيب معه قوم من أهل أنطاكية

وفي سنة110هـ فيها غزا 110معاوية بن هشام أرض الروم، ففتح صماله

في سنة 111 هـ غزا معاوية بن هشام بن عبد الملك الصائفة اليسرى وغزا سعيد بن هشام بن عبدالملك الصائفة اليمنى حتى بلغ قيسارية

في سنة112 هـ فيها غزا معاوية بن هشام الصائفة فافتتح خرشنة، وحرق فرندية من ناحية ملطية.

في سنة 113 هـ غزا معاوية بن هشام ارض الروم من ناحية مرعش

في سنة 114 هـ غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وعلى اليمنى سليمان بن هشام بن عبد الملك وهما ابنا امير المؤمنين هشام وفيها التقى عبد الله البطال وملك الروم المسمى فيهم قسطنطين وهو ابن هرقل الاول الذي كتب اليه النبي صلى الله عليه وسلم فأسره البطال فأرسله الى سليمان بن هشام فسار به الى ابيه

وفي سنة 116هـ غزا معاوية بن هشام الصاائفة

وفي سنة 117هـ غزا معاوية بن هشام الصائفة اليسرى وسليمان بن هشام الصائفة اليمنى وهما ابنا امير المؤمنين هشام

وفيسنة 118 هـ غزا معاوية وسليمان ابنا امير المؤمنين هشام بن عبد الملك بلاد الروم وفيها قضي على خداش وكان خرميا وهو الذي احل لأتباعه المنكرات وجنس المحارم والمصاهرات فأظهر الله الدولة عليه فقتل. وحج بالناس في هذه السنة أبو شاكر مسلمة بن هشام بن عبد الملك، وحج معه ابن شهاب الزهري في هذه السنة

وفي سنة120 هـ غزا سليمان بن هشام بلاد الروم وافتتح فيها حصونا وحج بالناس سليمان بن هشام بن عبد الملك وقيل ابنه يزيد بن هشام

وفي سنة 121 هـ غزا مسلمة بن هشام بن عبد الملك الروم فافتتح مطامير وهو حصن

وفي سنة 124 هـ غزا سليمان بن هشام بن عبد الملك بلاد الروم فلقي ملك الروم اليون فقاتله فسلم سليمان وغنم



وفاته رحمه الله


وقال أبو بكر بن أبي خيثمة‏:‏ ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا حسين بن زيد، عن شهاب بن عبد ربه، عن عمر بن علي، قال‏:‏ مشيت مع محمد بن علي - يعني‏:‏ ابن الحسين بن علي بن أبي طالب - إلى داره عند الحمام فقلت له‏:‏ إنه قد طال ملك هشام وسلطانه، وقد قرب من العشرين سنة، وقد زعم الناس أن سليمان سأل ربه ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فزعم الناس أنها العشرون‏.‏
فقال‏:‏ ما أدري ما أحاديث الناس، ولكن أبي حدثني، عن أبيه، عن علي، عن النبي صلى الله عليه و سلم، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لن يعمِّر الله ملكاً في أمة نبي مضى قبله ما بلغ ذلك النبي من العمر في أمته، فإن الله عمَّر نبيه صلى الله عليه و سلم ثلاث عشر سنة بمكة وعشراً في بالمدينة‏)‏‏)‏‏.‏


عن سالم كاتب هشام بن عبد الملك، قال‏:‏ خرج علينا يوماً هشام وعليه كآبة وقد ظهر عليه الحزن، فاستدعى الأبرش بن الوليد فجاءه فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين مالي أراك هكذا ‏؟‏
فقال‏:‏ مالي لا أكون وقد زعم أهل العلم بالنجوم أني أموت إلى ثلاث وثلاثين من يومي هذا‏.‏
قال‏:‏ فكتبنا ذلك، فلما كان آخر ليلة من ذلك جاءني رسوله في الليل يقول‏:‏ أحضر معك دواء للذبحة‏.‏
وكان قد أصابته قبل ذلك فاستعمل منه فعوفي، فذهبت إليه ومعي ذلك الدواء فتناوله وهو في وجع شديد، واستمر فيه عامة الليل‏.‏
ثم قال‏:‏ يا سالم اذهب إلى منزلك فقد وجدت خفة وذر الدواء عندي‏.‏
فذهبت فما هو إلا أن وصلت إلى منزلي حتى سمعت الصياح عليه فجئت فإذا هو قد مات‏.‏
وذكر غيره‏:‏ أن هشاماً نظر إلى أولاد وهم يبكون حوله فقال‏:‏ جاد لكم هشام بالدنيا، وجدتم عليه بالبكاء، وترك لكم ما جمع، وتركتم له ما كسب، ما أسوأ منقلب هشام إن لم يغفر الله له‏.‏
ولما مات جاءت الخزنة فختموا على حواصله وأرادوا تسخين الماء فلم يقدروا له على فحم حتى استعاروا له‏.‏

وكان نقش خاتمه‏:‏ الحكم للحكم الحكيم‏.‏


وكانت وفاته بالرصافة يوم الأربعاء لست بقين من ربيع الآخر، سنة خمس وعشرين ومائة، وهو ابن بضع وخمسين سنة، وقيل‏:‏ إنه جاوز الستين، وصلى عليه الوليد بن يزيد بن عبد الملك، الذي ولي الخلافة بعده‏.‏
وكانت خلافة هشام تسع عشرة سنة وسبعة أشهر وأحد عشر يوماً، وقيل‏:‏ وثمانية أشهر وأيام، فالله أعلم‏.‏ ‏قال الإمام ابن كثير رحمه الله :" وقال ابن أبي فديك‏:‏ ثنا عبد الملك بن زيد، عن مصعب، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه و سلم، قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ترفع زينة الدنيا سنة خمس وعشرين ومائة‏)‏‏)‏‏.‏
قال ابن أبي فديك‏:‏ زينتها نور الإسلام وبهجته‏.

وقال غيره‏:‏ - يعني‏:‏ الرجال -، والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ لما مات هشام بن عبد الملك مات ملك بني أمية، وتولى وأدبر أمر الجهاد في سبيل الله، واضطرب أمرهم جداً، وإن كانت قد تأخرت أيامهم بعده نحواً من سبع سنين، ولكن في اختلاف وهيج، ومازالوا كذلك حتى خرجت عليهم بنو العباس فاستلبوهم نعمتهم وملكهم، وقتلوا منهم خلقاً وسلبوهم الخلافة " اهـ


وقد كان هشام حريصاً على أن يكون ولي عهده صالحاً قادراً على إدارة هذه الدولة المترامية الأطراف ولكنه ابتلي بولي عهد مشغول في ملذاته و شهواته غير مكترث لأمور الدين والدولة وقد حاول هشام استصلاحه بشتى الوسائل إلا أن ذلك لم يفد معه ففكر في عزله يقول الإمام ابن كثير " وليته فعل " وتولية الخلافة مسلمة بن هشام قال ابن كثير " وليت ذلك تم "إلا أن هشاماً تردد في ذاك لأنه قد عاهد يزيد بن عبد الملك أن يكون ولاية العهد لابنه الوليد بن يزيد فلم يرد هشام نقض عهده لأخيه ... وقد كان الزهري يحث هشاما على خلع الوليد هذا ويستنهضه في ذلك فيحجم هشام عن ذلك خوف الفضيحة من الناس ولئلا تتنكر قلوب الأجناد من أجل ذلك وكان الوليد يفهم ذلك من الزهرى ويبغضه ويتوعده ويتهدده فيقول له الزهري ما كان الله ليسلطك علي يا فاسق ثم مات الزهري قبل ولاية الوليد

.. وكان هشام يحاول إصلاح الوليد بن يزيد كثيرأ فيرسله أميراً على الحج علَه يثوب إلى رشده ولكن لا فائدة فقد فعل منكرات عزله بها هشام حتى عن إمارة الحج ..مما جعل هشام يتنبأ بما ستؤول إليه حال البلاد و العباد إذا تولى الخلافة رجل مثل الوليد فعزم على نفيه إلى البرية فبقي هناك إلى أن توفي هشام بن عبد الملك رحمه الله قبل أن يستطيع خلعه ..


قال ابن كثير :" نهاه مرارا فلم ينته واستمر على حاله القبيح وعلى فعله الرديء فعزم عمه على خلعه من الخلافة وليته فعل وان يولي بعده مسلمة بن هشام وأجابه إلى ذلك جماعة من الأمراء ومن أخواله ومن أهل المدينة ومن غيرهم وليت ذلك تم ولكن لم ينتظم حتى قال هشام يوما للوليد ويحك والله ما أدري أعلى الأسلام أنت أم لا فإنك لم تدع شيئا من المنكرات إلا أتيته غير متحاش ولا مستتر فكتب إليه الوليد

يا أيها السائل عن ديننا * ديني على دين أبي شاكر
نشر بها صرفا وممزوجة * بالسخن أحيانا وبالفاتر

فغضب هشام على ابنه مسلمة وكان يسمى أبا شاكر وقال له تشبه الوليد بن يزيد وأنا أريد أن أرقيك إلى الخلافة وبعثه على الموسم سنه تسع عشر ومائة فأظهرالنسك والوقار وقسم بمكة والمدينة أموالا فقال مولى لأهل المدينة
يا أيها السائل عن ديننا * نحن على دين أبي شاكر
الواهب الجرد بأرسانها * ليس بزنديق ولا كافر

ووقعت بين هشام وبين الوليد بن يزيد وحشة عظيمة بسبب تعاطي الوليد ما كان يتعاطاه من الفواحش والمنكرات فتنكر له هشام وعزم على خلعه وتولية ولده مسلمة ولاية العهد ففر منه الوليد إلى الصحراء وجعلا يتراسلان بأقبح المراسلات وجعل هشام يتوعده وعيدا شديدا ويتهدده ولم يزل كذلك حتى مات هشام والوليد في البرية" اهـ


وبعد فترة حكمه الطويلة القوية تولى الوليد بن يزيد وبولايته الخلافة دخلت الدولة الأموية عهد الاحتضار



ما فعله بنو العباس بهشام بن عبد الملك بعد سبع سنوات من وفاته رحمه الله :




قال ابن كثير : "وذكر ابن عساكر رحمه الله في ترجمة محمد بن سليمان بن عبد الله النوفلي قال كنت مع عبدالله بن علي أول ما دخل دمشق دخلها بالسيف وأباح القتل فيها ثلاث ساعات وجعل جامعها سبعين يوما إسطبلا لدوابه وجماله ثم نبش قبور بني أمية فلم يجد في قبر معاوية إلا خيطا أسود مثل الهباء ونبش قبر عبدالملك بن مروان فوجد جمجمته وكان يجد في القبر العضو بعد العضو إلا هشام بن عبد الملك فإنه وجده صحيحا لم يبل منه غير أرنبة أنفه فضربه بالسياط وهو ميت وصلبه أياما ثم أحرقه ودق رماده ثم ذره في الريح وذلك أن هشاما كان قد ضرب أخاه محمد بن علي حين كان قد اتهم بقتل ولد له صغير سبعمائة سوط ثم نفاه إلى الحميمة بالبلقاء قال ثم تتبع عبد الله بن علي بني أمية من أولاد الخلفاء وغيرهم فقتل منهم في يوم واحد اثنين وتسعين ألفا عند نهر بالرملة وبسط عليهم الأنطاع ومد عليهم سماطا فأكل وهم يختلجون تحته وهذا من الجبروت والظلم الذي يجازيه الله عليه وقد مضى ولم يدم له ما أراده ورجاه كما سيأتي في ترجمته وأرسل امرأة هشام بن عبد الملك وهي عبدة بنت عبدالله بن يزيد بن معاوية صاحبة الخال مع نفر من الخراسانية إلى البرية ماشية حافية حاسرة على وجهها وجسدها وثيابها ثم قتلوها ثم أحرق ما وجد من عظم ميت منهم وأقام بها عبد الله خمسة عشر يوما"
اهـ



رحم الله هشاماً وغفر له و جزاه عن الإسلام و المسلمين خيراً و أبدل سيئاته حسنات و زاد على حسناته حسنات إنه ولي ذلك و القادر عليه ...



لأجل أني أحبك ياهشام فأنا كثيراً ما أكتب هذه الأبيات التي قالها الكميت فيك أكتبها على الصفحة الرئيسية من دفتر محاضراتي...

تحت اسمك أكتب

أورثته الحصان أم هشام....حسباً ثاقباً ووجهاً نضيراً
وتعاطى ابن عائشة البدر.... فأمسى له رقيباً ظهيرا
وكساه أبو الخلائف مروان ... سني المكارم المأثورا
لم تجهم له البطاح ولكن ... وجدتها له مغارا ودورا


وصدق الكميت في قوله :


أبـنـي أمـية إنـكــم ..... أهل الوسائل والأوامـر
أنتم مـعـادن لـلـخـلا ...... فة كابراً من بعد كابـر
بالتسعة المتـتـابـعـي ...... ن خلائفاً وبخير عاشـر



اللهم اغفر لهشام بن عبد الملك و أسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ...



مُحبتك الصادقة :
أموية الهوى




المراجع تاريخ الرسل و الملوك الطبري – كتاب البداية والنهاية لابن كثير – التبر المسبوك في تواريخ الملوك لابن كثير – كتاب معركة بلاط الشهداء وغيرها








توقيع »
للأسف إنهار التوقيع مع توقع الأنهيار فوقعنا وقعة أوقعتنا بموقع قل الواقعون قبل وقوعنا...فلا تقع معنا!
  رد مع اقتباس