منقولات أدبية شعرية

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليماً كثيراً.
ذكر الله الشعراء في القرآن فقال سبحانه وتعالى: ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)).
(لما أنزل الله عز وجل هذه الآيات أتى حسان بن ثابت و ابن رواحة وأمثالهم من الصحابة الشعراء يبكون عند الرسول صلى لله عليه وسلم فقال: ما لكم؟
قالوا: يا رسول الله ربنا يقول: ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ))، ونحن شعراء.
فأنزل الله عز وجل قوله: ((إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا الله كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ))) (1) .
والسبب في هذا الدرس ثلاثة أمور:
الأمر الأول: أنه ينبغي للواعظ والخطيب وطالب العلم أن تكون عنده أبيات يتمثل بها؛ لأن الشعر فيه جمال وفيه ارتياح وفيه حكمة، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن من البيان لسحراً) (1) ، وأنه قال: (وإن من الشعر لحكمة) (1) .
الأمر الثاني: الترويح عن النفوس، فإن الدروس إذا بقيت كلها جدية وكلها صارمة ملَّت النفوس، فلابد من التنويع خوف الملل والسأم.
الأمر الثالث: حتى يكون هذا الدرس سهلاً لمن أراد أن يحفظ بعض الأبيات.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يستشهد أحياناً بالأبيات برغم أنه ليس بشاعر، فالله يقول: ((وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ)).
ولماذا؟
لأنه لو كان ينظم الشعر لقالت قريش بأنه قد نظم القرآن.
وهم قد قالوا عن القرآن: ((وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا))، فكيف لو كان ينظم الشعر؟
ولذلك كان إذا استشهد بالأبيات أحياناَ يكسرها ولا يأتي بها مستقيمة صلى الله عليه وسلم وهو أفصح الناس.
(قسم مرة غنائم بين شيوخ العرب فأعطى عيينة بن حصن مائة ناقة وهو سيد غطفان، وأعطى الأقرع بن حابس سيد بني تميم مائة ناقة، وأعطى عباس بن مرداس خمسين ناقة لعدم كفاية الموجود.
فوجد عباس في نفسه فقال أبياتاً:

أتجعل نهبي ونهب العبيد بين عيينة والأقرع



وما كان حصن ولا حابس يفوقان مرداس في مجمع

) (1)
يقول: لماذا تعطيني أقل منهم وأبوهم ما كان يفوق أبي في المجامع العامة.
(فتبسَّم صلى الله عليه وسلم وأخذ يردد الأبيات ويقول:

أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة


والبيت: (بين عيينة والأقرع) حتى يستقيم.
فتبسم أبو بكر وكان رجلاٌ أديباً فصيحاً وقال: صدق الله ((وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ))) (1) .
برغم أنه يحفظ القرآن ويعلِّم الأمة الفضائل والآداب.
يقول سبحانه وتعالى: ((هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ)).
فما كان يعرف يكتب: محمد بن عبد الله، وبرغم ذلك جاء بكل هذه الحكمة وهذه الشريعة وهذا الدستور وهذا الحديث كله، صلى الله عليه وسلم.
يقول حسان في قصيدته البديعة قبل غزوة الفتح، جمّل الله حياته وقد فعل وبيَّض الله وجهه:

عدمنا خيلنا إن لم تروها تُثير النقع موعدها كداء


وكداء هذا جبل في مكة .
يقول: اللهم لا تجعل خيلنا تعود علينا إذا ما نثرت الغبار على رءوس المشركين.

تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخُمر النساء


ثم التفت إلى أبي سفيان وقال:

أتهجوه ولست له بكفء فشرُّكما لخيركما الفداء



هجوتَ محمداً فأجبتُ عنه وعند الله في ذاك الجزاء


فكان صلى الله عليه وسلم يقرب المنبر لـحسان في المسجد ويقول: (اهجهم وروح القدس معك) (1) .
يقول: اهج المشركين وسبّهم ومعك جبريل يؤيدك.
فكان حسان لا يُحَضّر القصيدة ولا يتذكر، وإنما كان يجلس على المنبر فيأتيه الشعر مثل السيل.
فلما فتح الرسول صلى الله عليه وسلم مكة وأسقطها في يديه من أربعة أماكن: خالد بن الوليد من جهة، والزبير من جهة، وسعد بن عبادة من جهة، والرسول صلى الله عليه وسلم من جهة.
وفجأة وإذا بخيل خالد تخترق الأعداء وتدخل مكة فتخرج النساء القرشيات يحاولن رد الخيول ويلطمنهن بالخُمُر، فإذا نفس الصورة التي ذكرها حسان في قصيدته:

تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخُمُر النساء


فتبسَّم صلى الله عليه وسلم لما رأى هذا الحادث وقال لـأبي بكر وهو حوله:
(كيف يقول حسان) (1)؟
يقول: ذكّرني أبيات حسان .
قال: يقول يا رسول الله:

تظل جيادنا متمطرات تلطمهن بالخُمُر النساء


و(أتى عبد الله بن رواحة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله اسمع مني أبياتاً قلتها فيك.
قال: قل.
قال:

فثبَّت الله ما آتاك من حسن تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا


قال: وإياك فثبَّت) (1) .
يقول: أسأل الله أن يثبت ما آتاك من حسن مثلما ثبت موسى عليه السلام، ونصراً مثلما نصر موسى .
قال صلى الله عليه وسلم: (وإياك فثبَّت)، فثبته الله حتى مات شهيداً.
ثم استقبل صلى الله عليه وسلم قبائل العرب فدخل النابغة الجعدي واسمه أبو ليلى وجلس عند الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في الثمانين من عمره.
فقال: يا رسول الله عندي أبيات نظمتها فيك.
قال: قل، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم واسع الصدر يسمع الشعر.
أما بعض الناس فتجده ضيق الصدر لا يسمع الدعابة ولا يسمع القصائد ولا يسمع سواليف الناس ولا قصص الناس.
لكن هذا البحر الحليم الذي بعثه الله رحمة للناس كان يسمع أخبار الناس.
ولذلك من أدب الدعوة أن تستمع للناس، لأخبارهم ولقصصهم وأعلامهم، فهذا من اللطف.
يقول جابر بن سمرة : (كان صلى الله عليه وسلم يجلس معنا بعد الفجر في المسجد فنتحدث في أخبار الجاهلية، فيستمع ونضحك ويبتسم).
ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أن الناس إذا تحدثوا في الدنيا تحدث معهم، وإذا تحدثوا في المال تحدث معهم، حتى تأتي الغيبة فيسكت ويأمر الناس بالسكوت، هذا هو أدبه صلى الله عليه وسلم.
(قال النابغة : قلت يا رسول الله أبياتاً.
قال: قل.
قال: قلت:

تذكرت والذكرى تهيج على الفتى ومن عادة المحزون أن يتذكرا


قال: هيه، يعني زد.
قال:

سقيناهم كأساً سقونا بمثلها ولكننا كنا على الموت أصبرا



وننكر يوم الروع ألوان خيلنا من الضرب حتى نحسب البيض أحمرا


يقول: يوم الهول نضارب الأعداء حتى تتلطخ خيولنا البيض بالدم حتى نظن أن الشقراء حمراء.
ثم يقول في قومه:

بلغنا السماء جوداً ومجداً وسؤدداً وإنّا لنرجو فوق ذلك مظهرا


يقول: يا رسول الله أنا وقومي بلغنا إلى السماء من الكرم وعسى أن نبلغ فوق السماء. فتبسم صلى الله عليه وسلم وضحك وقال: إلى أين المظهر يا أبا ليلى ؟.
يقول: إذا اخترقت السماء أين تذهب؟
قال: إلى الجنة يا رسول الله.
قال: لا فض فوك) (1) .
والجنة فوق السماء وسقفها عرش الرحمن، وعسى الله أن يدخلنا وإياكم الجنة.
فبقي النابغة مائة وعشرين سنة ما سقط له ضرس واحد ولا سن بدعوة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
وعند مسلم في الصحيح عن عمرو بن الشريد قال: (ركبت خلف الرسول صلى الله عليه وسلم على بغلته، فلما مشى قليلاً قال لي: يا عمرو بن الشريد أتحفظ لـأمية بن الصلت شعراً؟
وأمية هذا من أهل الطائف مات كافراً، آمن شعره وكفر قلبه؛ لأنه كان يرجو أن ينزل الله عليه النبوة.
فلما جعل الله النبوة في الرسول صلى الله عليه وسلم حسده وكذب دعوته ومات كافراً.
قال: قلت: نعم يا رسول الله.
قال: هيه، يعني أنشدني.
قال: فأنشدته بيتاً.
ومن ضمن أبيات أمية بن الصلت يقول:

شهدت بأن وعد الله حق وأن النار مثوى الكافرينا



وأن العرش فوق الماء طافٍ وفوق العرش رب العالمينا


سبحانه وتعالى.
فليته استمر في إيمانه، ولكن نسأل الله لنا ولكم الثبات، ((يُثَبِّتُ الله الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ الله الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ)).
قال: فقال: هيه، فزدته بيتاً.
قال: هيه.
قال: حتى أنشدته مائة بيت) (1) .
فالشعر الجميل لا بأس أن يستشهد به فإنه يدعو الكريم إلى الكرم، ويحجز البخيل عن البخل، ويدعو الجبان للعودة إلى المعركة.
يقول معاوية بن أبي سفيان : [والله لقد كدت أفرُّ يوم صفين فما حبستني إلا بعض الأبيات وهي:

أقول لها وقد جشأت وجاشت مكانك تُحمدي أو تستريحي



وإكراهي على المعروف نفسي وضربي هامة البطل المشيح

]
إلى آخر ما قال.
قال: فتذكرت هذه الأبيات فعدت إلى المعركة وتم ما تم.
فالمقصود أن الشعر له تأثير كبير على النفس.
وأنا سوف أختار لكم بعض ما تيسّر لي من مقطوعات شعرية جميلة.
روى أهل التفسير أن عمر رضي الله عنه وأرضاه ولّى أحد الصحابة، اسمه النعمان بن علي ، في ميسان وهي قرية كبيرة قريبة من البصرة .
قال: أنت أمير عليها اذهب.
فذهب.
وعمر كان من عادته أن يتفقد أمراءه وولاته، وكان يرسل الجواسيس لهم ليعلم حقيقة حالهم.
وكان النعمان رجلاً صالحاً، ولكنه سمر يوماً مع أصحابه ففلتت من لسانه بعض الأبيات.
ولم يكن يعلم أن هذه الأبيات سوف تبلغ عمر في المدينة .
قال:

فمن مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يُسْقى من زجاج وحنتم



لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا بالجوسق المتهدم


يقول: من يخبر زوجتي وهي في المدينة أني أشرب الخمر في الحنتم، وأصبحت أميراً بعدما كنت أشرب اللبن والماء!!
وهو قالها قولاً وما فعل.
والجوسق المتهدم: هو الخيمة المتهدمة الأطراف.
فبلغت الأبيات عمر بعد أيام.
فقال: علي به.
فوفد إليه.
قال عمر وقد أخذ العصا بيده: من الذي يقول:

فمن مبلغ الحسناء أن حليلها بميسان يُسقى في زجاج وحنتم



لعل أمير المؤمنين يسوؤه تنادمنا في الجوسق المتهدم


قال: أنا يا أمير المؤمنين.
قال عمر : والله لقد ساءني هذا، وعليك الحد في شرب الخمر ثمانين جلدة.
قال: يا أمير المؤمنين والله ما شربتها، ووالله لا تدخل لي بطناً، وأسأل الله أن يقتلني شهيداً، والله يقول يا أمير المؤمنين: ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)).
قال عمر : أما بهذا فقد أسقطت الحد عنك، ولكن والله لا تلي لي ولاية ولا إمرة بعدها أبداً.
فعزله.
فذهب يجاهد حتى قتل في تُستُر شهيداً في سبيل الله إن شاء الله.
1- اجتمع الأنصار في مجلس في سقيفة بني ساعدة بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم وهم يظنون أن الخلافة في الأنصار؛ لأنهم هم الذين نصروا الرسول صلى الله عليه وسلم، بينما الخلافة لا تكون إلا في قريش.
فأتى عمر إلى أبي بكر وقال: يا أبا بكر أدرك الأنصار في سقيفة بني ساعدة.
فذهب أبو بكر و عمر و أبو عبيدة فدخلوا عليهم وهم مجتمعون.
فحاول عمر أن يتكلَّم فما سمعوا.
فقام أبو بكر يتكلم وكان فصيحاً نسيباً لين القول فقال: اسكتوا أيها الناس.
فسكتوا.
قال: يا معشر الأنصار آويتمونا ونصرتمونا وأكرمتمونا وواسيتمونا، والله ما مثلنا ومثلكم إلا كما قال طفيل الغنوي في قبيلة بني جعفر:

جزى الله عنا جعفراً حيث أشرفت بنا نعلنا في الشارفين فزلتِ



هم خالطونا بالنفوس وألجؤوا إلى غرفات أدفأت وأظلتِ



أبوا أن يملُّونا ولو أن أمنا تلاقي الذي يلقون منا لملَّتِ


فلما سمعوا الأبيات دَعَوا لـأبي بكر واستمعوا كلامه ثم بايعوه بالخلافة.
ولذلك يقول عمر : [يعجبني من الرجل أن يقدم أبياتاً بين يدي حاجته].
ولذلك ترى الشحاذين الآن عند السلاطين إذا أراد أحدهم شيئاً من الدنيا فإنه ينظم ستين بيتاً ويقول فيها للسلطان: يا بركة العصر! ويا فاتح الدنيا!
فلذلك فإن أهل الحق أولى بذلك.
والله أرسل موسى و هارون إلى فرعون ، فلما أصبحوا في الطريق نبههم الله وقال: ((فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)).
فالشعر والكلام الحسن سحر يقلب المعايير ويرقق القلوب ويغير الاتجاهات.
2- كان سيف الدولة الحمداني بطلاً من أبطال المسلمين، وكان يعيش في حلب ، وقد قاتل الروم ما يقارب من ستين معركة، وكان دائماً ينتصر عليهم.
يقول فيه المتنبي يمدحه:

وقفتَ وما في الموت شك لواقف كأنك في جفن الرَّدى وهو نائم


يقول: سبحان الله، والله كأن الأسد نائم وكأنك نائم فكيف ما متَّ وأنت دائماً تخوض المعارك؟

تمر بك الأبطال كلمى هزيمة ووجهك وضاح وثغرك باسم


يقول: أنت تبتسم في المعركة والأبطال أمامك مقيَّدون في السلاسل.

نثرتهم فوق الأحيدب نثرة كما نُثرت فوق العروس الدراهم


يقول: نثرت الأبطال فوق الصحراء مثل ما تُنثر الدراهم على العروس.
فدعاه سيف الدولة وقال: نحن نريد أن نخرج لغزوة.
فأخذ فرسه وقال:

أصَرّف نفسي كما أشتهي وأملكها والقنا أحمر



أتاني رسولك مستعجلاً فلبَّاه شعري الذي أذخر



ولو كان يوم وغى قاتم للبّاه سيفي والأشقر


يقول: إنني أصرف نفسي مرة في الرخاء ومرة في الشدة، وأملكها والسيوف تقطر من الدم، فما أفر وقد أتاني رسولك مستعجلاً يدعوني للقتال معك، فلباه أولاً شعري الذي عندي أدّخره لك، وفي الحرب سيلبيه سيفي وفرسي.
وهذا من إبداعاته.
فالشعر الجميل يحيي الأمة ويجعلها تنهض وتلاقي الأعداء في كافة الميادين.
3- هاجمت بريطانيا اليمن في فترة مضت فدخلت بالدبابات وأتت بالطائرات ترشق المدن المسلمة وتضرب صنعاء .
فأتى أحد العلماء وقال لخطيب الجامع في صنعاء : أريد منك الخطبة هذا اليوم لأقدم قصيدة للناس.
قال: خذ الخطبة.
فجعل الخطبة كلها قصيدة طنانة رنانة رائعة يقول فيها:

يا بريطانيا رويداً رويداً إن بطش الإِله كان شديدا


انظر إلى الصلة مع الله والاتصال به، ((إِنْ يَنْصُرْكُمُ الله فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ)).

يا بريطانيا رويداً رويداً إن بطش الإله كان شديدا



إن بطش الإِله أهلك فرعون وعاداً من قَبلكم وثمودا



لا تظنوا هدم المدائن يودي عزمنا أو يلين بأساً صلودا


لا تحسبوا أنكم إذا هدمتم المدائن أننا سنموت.

إن تبيدوا من البيوت بطياراتكم ما غدا لدنيا مشيدا



فلنا في الجبال تلك بيوت أجدادنا لن تبيدا



فالنزال النزال إن كنتم ممن لدى الحرب لا يخاف البنودا



لتروا من يبيت منا ومنكم موثقاً عند خصمه مصفودا



ما خضعنا للترك مع قربهم في الدين منا فكيف نرضى البعيدا



فهم في الأنام أشجع جيش فسلوهم هل صادفونا فهودا



أفترجو إنجلترا من بلاد الله تباً لسعيها أن تبيدا



يا بني قومنا سراعاً إلى الله فقد فاز من يموت شهيدا


وبعد قصيدته هذه خرج ما يقارب من مائة ألف وسحقوا قوات بريطانيا ومنعوها أن تدخل اليمن .
4- كان علي بن موسى الرضا من أولاد علي بن أبي طالب ، وكان ولي العهد للمأمون في الدولة العباسية، وكان رجلاً فيه خير كثير وكان رئيساً سلطاناً مطاعاً.
فقيل للحسن بن هانئ أحد الشعراء: مدحت الوزراء كلهم إلا ابن علي بن أبي طالب وهو الذي يستأهل المدح.
فقال فيه مقطوعة من أجمل ما قيل يعتذر فيها له بعد أن ذهب إليه:

قيل لي أنت واحد من الناس في كل معنى من الكلام بديه



لك في جوهر الكلام معانٍ يجتني الدر في يدي مجتنيه



فعلام تركت مدح ابن موسى ذا الخصال التي تجمعن فيه



قلتُ كيف أهتدي لمدح إمام كان جبريل صاحباً لأبيه


يقول: أنا أعرف أمدح الناس الذين هم مثلي، أما أنت فما أستطيع مدحك لأن أباك كان صاحباً لـجبريل.
يعني الرسول صلى الله عليه وسلم.
والصحيح أنه قال في بيته:

كان جبريل خادماً لأبيه


وأنا حولت الكلام كما حوله الذهبي وقال: هذا خطأ فما كان جبريل خادماً لأبيه، بل كان صاحباً ومعلِّماً.
5- في آخر الزمان سوف يتكلَّم الرويبضة الذي ما كان له قدر في الناس، فيسوَّد غير المسوّد، ويوسد الأمر إلى غير أهله.
فأتى أبو العلاء المعري يتكلم عن هذا الحال في أبيات جميلة فيقول:

إذا عَيّر الطائي بالبخل مادر وعَيّر قسًّا بالفهاهة باقل



وقال الدجى للشمس أنت كسيفة وقال السهى للبدر وجهك حائل



فيا موت زر إن الحياة ذميمة ويا نفس جدي إن دهرك هازل


ومادر هذا كان من أبخل العرب.
كان من بخله أنه إذا أراد أن يحلب شاته يمصها بفمه حتى لا يسمع الناس صوت الحليب في الطاسة فيأتون!!
وأما قس فهو قس بن ساعدة أخطب العرب.
وباقل هذا من أعيا العرب لا يعرف أن يتكلَّم.
يقولون: كانت أمه تلقنه اسمه في أول النهار فينساه مع الظهر!
بلغ من حمقه أن صنعت له أمه قلادة ووضعتها عليه لكي لا يختلط الصبية فتعرفه إذا خرج في الشارع فتأتي به.
فأتى أخوه في الليل فأخذ القلادة فلبسها.
فقام باقل في الصباح فرأى القلادة على أخيه فقال: يا أخي أنت أنا فمن أنا؟!!
6- قال أبو جعفر المنصور الخليفة العباسي يوماً لجلاّسه من الشعراء: من يكمل لي هذا البيت وأعطيه هذه البردة الثمينة؟
فقال الشعراء: أعطنا البيت.

وهاجرة وقفت بها قلوصي يُقَطِّع حَرُّها ظهرَ العضايا


أي: هاجرة شديدة الحر وقفت بها ناقتي، ومن شدة حرارتها أنها تقطع الشجر.
فقام الشعراء على ركبهم أيهم يسبق ليأخذ الجائزة.
فقال بشار بن برد الشاعر العجيب:

وقفت بها القلوص ففاض دمعي على خدِّي وأقصر واعضايا


فرمى بالبردة عليه فشراها الناس منه.
ومن شعر بشار الجميل قوله:

يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا


وهو الذي يقول:

إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم


فأتاه رجل فوجده سميناً كالثور فقال: أين قولك:

إن في بردي جسماً ناحلاً لو توكأت عليه لانهدم


وأنت كما ترى سمين بطين؟
فقال: ألم يقل الله: ((وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)).
7- البردوني اليمني من أشعر الناس وهو الآن حي يرزق، لكنه أعمى القلب والبصر؛ لأنه من كهنة الحداثيين.
العجيب.. أنه نظم قصيدة في الرسول صلى الله عليه وسلم من أعجب ما سمعت في حياتي، من أبياتها:

بشرى من الغيب ألقت في فم الغار وحياً وأفضت إلى الدنيا بأسرار



بشرى النبوة طافت كالشذى سحراً وأعلنت في الدنا ميلاد أنوار



نحن اليمانين يا طه تطير بنا إلى روابي العلا أرواح أنصار



أنا ابن أنصارك العز الأُلى سحقوا جيش الطغاة بجيش منك جرار



إذا تذكرتَ عماراً وسيرته فافخر بنا إننا أحفاد عمار


وهي قصيدة طويلة فيما يقارب الثمانين بيتاً.
وقد عارضتها بأبيات فيما يقارب أربعين بيتاً منها:

صوت من الغور أم نور من الغار أم ومضة الفكر أم تاريخ أسرار



يا عيد عمري ويا فجري ويا أملي ويا محبة أعمار وأقطار



تطوي الدياجير مثل الفجر في ألقٍ تروي الفيافي كمثل السلسل الجاري



الشمس والبدر في كفيك لو نزلت ما أطفأت فيك ضوء النور والنار



أنت اليتيم ولكن فيك ملحمة يذوب في ساحها مليون جبار



فما لقومي بلا وعي قد انتكسوا أصغوا لصيحات عِربيد وخمار



يبيع ذمته المعهود في وثن والدين ينهار منه في شفا هار



لو بيع في السوق ما حازوا له ثمناً ولو شروه لكان الغبن للشاري



شادوا الدنانير هالات مزخرفة جَمّاعها لا يساوي ربع دينار


وتجدونها كاملة في مجلد الشعر من هذا المجموع.
8- نزار قباني تعرفونه، وأنصحكم أن لا تقرؤوا له، فكل قصائده عفنة تفوح ذلاً وجنساً وشتماً.
إنما له بعض الأبيات القليلة التي استطاع فيها أن يجمع بين حسن المعنى وجمال الأسلوب.
يقول:

دمشق يا كنز أحلامي ومروحتي أشكو العروبة أم أشكو لك العربا



أدمت سياط حزيران ظهورهم فقبلوها وباسوا كفّ من ضربا



وطالعوا كتب التاريخ واقتنعوا متى البنادق كانت تسكن الكتبا


يقول: هؤلاء العرب ليس عندهم إلا حزيران، أي: نكسة القومية العربية.
لكن بدراً و حطين و أحداً و اليرموك و عين جالوت ، ومعارك الإسلام الخالدة، ومعارك لا إله إلا الله يوم اتصلنا بالله وكنا عباداً لله، لا يعرفون ذلك كله لأنهم تركوا منهج الله وكتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

زمانك بستان وروضك أخضر وذكراك عصفور من القلب ينقرُ



نساء فلسطين تكحَّلن بالأسى وفي بيت لحم قاصرات وقُصّرُ



وليمون يافا يابس في أصوله وهل شجر في قبضة الظلم يثمرُ



رفيق صلاح الدين هل لك عودة فإن جيوش الروم تنهى وتأمرُ



رفاقك في الأغوار شدوا سروجهم وجيشك في حطين صلُّوا وكبروا



تغني بك الدنيا كأنك طارق على بركات الله يرسو ويبحر



تناديك من شوق مآذن مكة ويبكيك بدر يا حبيبي وخيبرُ



تعال إلينا فالمروءات أقفرت وموطن آبائي زجاج مكسرُ



يطاردنا كالموت ألف خليفة ففي الشرق هولاكو وفي الغرب قيصرُ


9- هجا أحد الشعراء الحجاج بن يوسف الثقفي السفاح فأمر بملاحقته حتى يُحضر عنده.
فقبض عليه أعوان الحجاج وقيَّدوه وأركبوه الراحلة ليذهبوا به إلى الحجاج .
وفي الطريق رأى حمامتين تتجاوبان، وكان قد ترك أطفاله وزوجته يبكون عليه وهو يعرف أنه لن يعود إلا مقتولاً.
فقال:

لقد شاقني فازددت شوقاً بكاء حمامتين تجاوبان



تجاوبتا بصوت أعجميّ على غصنين من غرب وبان



فكان البان أن بانت سليمى وفي الغرب اغتراب غير دان


يقول: إن شجر البان معناه: أن تبين مني سليمى زوجتي.
وأما شجر الغرب فهو اغتراب عن الأهل والأوطان.
أما ابن زيدون فله قصيدة جميلة يقول فيها:

بنتم وبنّا فما ابتلَّت جوانحنا شوقاً إليكم ولا جفت مآقينا



تكاد حين تناديكم ضمائرنا يقضي علينا الأسى لولا تأسِّينا



إن كان قد عز في الدنيا اللقاء ففي مواقف الحشر نلقاكم ويكفينا


وقد عارضه بعض الشعراء منهم أحمد شوقي الذي يقول عندما ماتت أمه ودفنها في حلوان في مصر قال:

كنز بحلوان عند الله نطلبه وخير الودائع من خير المؤدينا


يقول: هذا الكنز جعلته في حلوان وسوف أطلبه من الله، فهي خير وديعة تُطلب من خير المؤدين وهو الله.
11- التهامي شاعر عجيب مات ابنه وهو في الرابعة عشرة من عمره.
فنظم قصيدة رائعة من أروع القصائد يقول فيها:

حكم المنية في البرية جار ما هذه الدنيا بدار قرار



إني أصبت بصارم ذي رونق أعددته لطلابة الأوتار



جاورتُ أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري


يقول: أما أنا فبقيت مع الحساد وأهل الدنيا وأهل النكد، وأما هو فأخذه الله إلى جواره.
يقولون: لما توفي التهامي رؤي في المنام فقالوا: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي.
قالوا: بماذا؟
قال: بقولي:

جاورتُ أعدائي وجاور ربه شتان بين جواره وجواري


ولذلك يقول ابن القيم : لله در آسية امرأة فرعون عليها السلام يوم قالت: ((رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ)).
قال: فقدمت الجار قبل الدار فقالت: ((عِنْدَكَ بَيْتًا)) ولم تقل: بيتاً في الجنة عندك.
نسأل الله أن نكون من جيرانه في دار النعيم.
12- توفيت زوجة جرير بن عطية الغطفي الشاعر المشهور فقال:

لولا الحياء لهاجني استعبار ولزرت قبرك والحبيب يزار



ولقد نظرت وما تمتّع نظرة في القبر حيث تمكن المحفار



صلَّى عليك الله في عليائه والصالحون عليك والأبرار


13- دخل متمم بن نويرة على عمر رضي الله عنه، ومتمم شاعر من شعراء العرب.
فقال عمر : [يا متمم يا ليتني كنت شاعراً فأرثي أخي زيداً ].
وزيد أسلم قبل عمر ، وهاجر قبل عمر، واستُشْهد قبل عمر في اليمامة .
وكان عمر كلما ذكر زيداً يقول: [والله ما هبَّت الصَّبا من نجد إلا جاءتني بريح زيد].
ومتمم هذا قُتِل أخوه مالك ، قتله خالد بن الوليد .
فبكى متمم على أخيه حتى ابيضّت عيناه.
يقول في قصيدة له:

وعشنا بخير في الحياة وقبلنا أصاب المنايا رهط كسرى وتُبّعَا



فلما تفرقنا كأني ومالكاً لطول اجتماع لم نبت ليلة معا


يقول: سبحان الله ما كأننا عشنا أنا ومالك، أي لسرعة انقضاء الدنيا.
ولذلك كان الحسن البصري إذا ودع إخوانه بكى حتى يخاف عليه ويقول:

وخفَّف وجدي أن فرقة واحد فراق حياة لا فراق ممات


قال المتنبي يوم فارق سيف الدولة وهو غضبان عليه:

فراق ومن فارقت غير مذمم وأمَّ ومن يمَّمت غير ميمم



رمى واتقى رميي ومن دون ما اتقى هوى كاسر كفي وقوسي وأسهمي


يقول متمم في أخيه مالك :

لقد لامني عند القبور على البكاء رفيقي لتذراف الدموع السوافك


يقول: لاموني لأنني أبكي أخي كثيراً.

فقال: أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى فالدكادك



فقلت له: إن الشجى يبعث الشجى فدعني فهذا كله قبر مالك


14- أحد قواد العرب اسمه محمد بن حميد الطوسي في عصر المعتصم العباسي قاتل الكفار من صلاة الصبح حتى غربت الشمس، ثم قُتل وكان عمره ما يقارب السادسة والثلاثين، وكان شاباً قوياً وكان مؤمناً بالله.
لبس أكفانه من الصباح وأخذ يقاتل بالسيف حتى تكسرت سيوفه وقتل مع الغروب.
فلما قتل أتى أبو تمام الشاعر فعمل فيه قصيدة يرثيه.
فلما سمعها الخليفة قال: والله الذي لا إله إلا هو إنني وددت أني قُتِلت وأنها قيلت فيّ.
يقول أبو تمام :

كذا فليجلَّ الخطب وليفدح الأمر فليس لعين لم يفضْ ماؤها عذر



توفيت الآمال بعد محمد فأصبح في شغل عن السفر السفر



فتى كلما فاضت عيون قبيلة دماً ضحكت عنه الأحاديث والذكر



تردَّى ثياب الموت حمراً فما أتى لها الليل إلا وهي من سندس خضر



ثوى طاهر الأردان لم تبقَ بقعة غداة ثوى إلا اشتهت أنها قبر


يقول: حتى الأرض كل الأرض كانت تتمنى أن تكون قبراً لك.

وقد كان فوت الموت صعباً فردَّه عليه الحياض المر والخلق الوعر



ونفس تعاف الذل حتى كأنه هو الكفر يوم الروع أو دونه الكفر



عليك سلام الله وقفاً فإنني رأيت الكريم الحرَّ ليس له عمر


إلى آخر ما قال، وهي من أبدع ما قيل.
15- يقول الحسن البصري : دخلت على بشر بن مروان أخي عبد الملك بن مروان والي العراق الذي يقول فيه الشاعر:

قد استوى بشر على العراق من غير سيف ودمٍ مهراق


يقول: فوجدته بضّاً سميناً وعنده الأطباء، وعنده الحشم، وعنده المغنون والشعراء.
قال: ثم خرجت وجئت في اليوم الثاني وإذا هو مريض في سكرات الموت، قد نزل من على سريره وكشف فراشه وهو يتقلب على التراب ويبكي ويقول: ((مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)).
قال: والله ما خرجت من قصره حتى مات فحملناه إلى المقبرة. فأتى الفرزدق الشاعر فقال:

أعيناي إن لم تسعداني ألمكما فما بعد بشر من عزاء ولا صبر



ألم تر أن الأرض بعدك أظلمت وأن نجوم الليل بعدك لا تسري


16- أحد المحدثين يقول في الرسول صلى الله عليه وسلم:

من زار بابك لم تبرح جوارحه تروي أحاديث ما أوليت من منن



فالعين عن قرة والكف عن صلة والقلب عن جابر والسمع عن حسن


العين عن قرة: أي أحد المحدثين اسمه قرة .
والكف عن صلة: وهو صلة بن أشيم المحدث.
والقلب عن جابر: وهو جابر بن عبد الله .
والسمع عن حسن: وهو الحسن البصري .
وهو يريد مرادات أخرى!
17- (أهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دم كعب بن زهير الشاعر لأنه هجاه في قصيدة وسبَّه، والرسول صلى الله عليه وسلم مبرأ عن السب وقد فديناه بأعراضنا وبدمائنا وأموالنا.
فأصبح كعب ينام في النهار ويمضي في الليل.
وفي الأخير ضاقت به الأرض بما رحبت، فذهب إلى رؤساء قومه فقال: ما الحل؟
قالوا: انظم قصيدة وامضِ إلى الرسول وامدحه بها.
فذهب فأمسى عند أبي بكر في الليل فقال: يا أبا بكر ما رأيك؟
قال: عندك شيء من الشعر؟
قال: عندي قصيدة.
قال: إذا صلَّينا الصبح فسوف أتقدم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وأستأذن لك في أن تلقي قصيدتك.
فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر بالناس قال أبو بكر : يا رسول الله هذا كعب بن زهير يريد أن يلقي عليك أبياتاً.
قال: قل، وكان أحلم الناس صلى الله عليه وسلم وأرحم الناس.
قال:

بانت سعاد فقلبي اليوم متبول متيَّم إثرها لم يفد مكبولُ


يذكر زوجته واسمها سعاد .
فأوقفه صلى الله عليه وسلم وقال: من هي سعاد ؟
قال: زوجتي يا رسول صلى الله عليه وسلم.
قال: لم تبن إذاً.

وما سعاد غداة البين إذ رحلوا إلا أغن غضيض الطرف مكحول



نُبّئت أن رسول الله أوعدني والعفو عند رسول الله مأمول



مهلاً هداك الذي أعطاك نافلة القرآن فيها مواعيظ وتفصيل



لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم أظلم ولو كثرت في الأقاويل



تظل ترعد من وجدٍ بوادره إن لم يكن من رسول الله تنويل



لقد أقوم مقاماً لو يقوم به رأى وأسمع ما قد أسمع الفيل


يقول: يا رسول الله، والله لقد سهرتُ وتعبتُ وخفتُ وتشردتُ عن أهلي وطاردني الناس، فارحمني يا رسول الله واحلم عني وكف عني.

حتى وضعتُ يميني ما أنازعها في كف ذي نقمات قوله القيل



إن الرسول لنور يستضاء به مهندٌ من سيوف الله مسلول



في عصبة من قريش قال قائلهم ببطن مكة لما أسلموا زولوا



زالوا فما زال أنكاس ولا كشف يوم اللقاء ولا ميل معازيل



لا يقع الطعن إلا في نحورهم وما لهم عن حياض الموت تهليل



كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول


فخلع صلى الله عليه وسلم بردته وأعطاه إياها.
فخرج بالبردة فباعها لـمعاوية بن أبي سفيان بأربعين ألف درهم) (1) .
18- يقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في البخاري : (طرقت الباب على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: من؟
قلت: أنا.
قال: أنا أنا، كأنه كرهها) (1) .
فليس من السنة أن تقول إذا طرقت على أحد وسألك عن اسمك (أنا) لأنها لا تدل على شخصك، بل توهم وتلتبس على الناس. ومناسبة هذا الحديث أن الشاعر الشيرازي قال أبياتاً جميلة فيها نحو هذا المعنى:

قال لي المحبوب لما زرته مَنْ ببابي قلت بالباب أنا



قال لي أخطأت تعريف الهوى حينما فرقت فيه بيننا



ومضى عام فلما جئته أطرق الباب عليه موهنا



قال لي من أنت؟ قلت انظر فما ثم إلا أنت بالباب هنا



قال لي أحسنت تعريف الهوى وعرفت الحب فادخل يا أنا!!


19- نظر إبراهيم عليه السلام إلى المرآة فرأى شيبة في لحيته فقال: يا ربّ ما هذا؟
قال الله: وقار يا إبراهيم.
قال: اللهم زدني وقاراً.
فلذا يقول المستنجد الخليفة:

عيَّرتني بالشيب وهو وقار ليتها عيرتني بما هو عار


وقال أبو العتاهية :

بكيت على الشباب بدمع عيني فلم يُغْنِ البكاء ولا النحيب



ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب


وأحد الشعراء العرب كبر سنه فأصبح في الثمانين، فما كان ينام في الليل إلا قليلاً، وكان دائماً يتأوه من طول السنين ومن الأمراض ومن الأوجاع.
فقال له أولاده: ماذا تشتكي؟ لقد أزعجتنا في الليل.
فقال:

قالوا أنينك طول الليل يزعجنا فما الذي تشتكي قلت الثمانينا


ويُروى عن الشيخ محمد بن إبراهيم مفتي الديار السعودية رحمه الله رحمة واسعة، أنه خرج في آخر خروج له من المسجد الجامع الكبير بـالرياض وهو يتكئ على عصا وكان به كحّة وكبر في السن.
فلما أخذ ينزل الدرج في تعب ويستعين ببعض الناس قال:

إذا الرجال ولدَتْ أولادها وأخذت أسقامها تعتادها



وكثرت من مرض عوَّادها فهي زروع قد دنا حصادها


ومات بعد يومين!
20- مات أبو نواس الشاعر الماجن فرؤي في المنام فقالوا: ما فعل الله بك؟
قال: غفر لي وأدخلني الجنة.
قال تعالى: ((وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ)).
قالوا: بماذا؟
قال: بقصيدتي النرجسية:

تأمل في نبات الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك



عيون من لُجين شاخصات بأحداق هي الذهب السبيك



على كثب الزبرجد شاهدات بأن الله ليس له شريك


وكان يقول في سكرات الموت:

لهونا لعمر الله حتى تتابعت ذنوب على آثارهن ذنوب



فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ويأذن في توباتنا فنتوب



إذا ما خلوت الدهريوماً فلا تقل خلوت ولكن قل عليّ رقيب



ولا تحسبن الله يغفل طرفة ولا أن ما يخفى عليك يغيب


أسأل الله أن يتوب علي وعليكم وعلى جميع المسلمين.
والله أعلم، وصلَّى الله على نبينا محمد واَله وصحبه وسلَّم

منقوووووووووووول : عايض القرني

بارك الله فيك اخي ابو ناصر على النقل الرائع

شكرآ لك

يقول: يا رسول الله أنا وقومي بلغنا إلى السماء من الكرم وعسى أن نبلغ فوق السماء. فتبسم صلى الله عليه وسلم وضحك وقال: إلى أين المظهر يا أبا ليلى ؟.
يقول: إذا اخترقت السماء أين تذهب؟
قال: إلى الجنة يا رسول الله.
قال: لا فض فوك) (1


اعجبتي هذه المحاورة مع الرسول صلى الله علية وسلم


وهو المعلم القدوة في حياة كل مسلم بأبي هو وأمي


شكرالك اخي ابوناصر

شكرا أبا ناصر