بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله سبحانه: (اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّـهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ وَمَن يُضْلِلِ اللَّـهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿٢٣﴾ أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ ﴿٢٤﴾ سورة الزمر.
المقصود من الآية الأولى: ذكر صفة الأبرار عند سماعهم كلام الجبار.
ِ﴿اللَّـهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيث﴾: يصف الله كلامه (القرآن) بأنه أحسن الحديث ومنه قوله تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) أي أحسن القول وهو القرآن. وهذا الحُسْن يكون في اللفظ وفي المعنى:
1- اللفظ: حُسْنٌ من جهة المفردات و التركيب، فهو عظيمٌ في جزالة لفظه وعظيمٌ في جمال نظمه، (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَـٰذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا).
2- المعنى: عظيمٌ في معناه إذ لا تناقض فيه، (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)، فيه ذكر من قبلنا وخبر من بعدنا، كله هدىً ورحمة للمؤمنين.
﴿مُّتَشَابِهًا﴾: يشبه بعضه بعضًا ويصدّق بعضه بعضًا فلا تناقض فيه.
﴿مَّثَانِيَ﴾: جمعٌ لمفردة (مَثْنَى) بمعنى:
1- ما ثُنِّيَ فيه من الوعد والوعيد والأخبار والأمر والنهي.
2- مَفْعَل: أي يُكرّر فكثيرًا ما تتكرر فيه بعض الأوامر والنواهي كالأمر بالصلاة والزكاة والنهي عن الشرك والقتل...إلخ.
﴿تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ﴾: القشعريرة تغير واظطراب في البشرة يعتري الإنسان حال الخوف، فهؤلاء المتقون يسمعون كلام الله فيفقهون معنى وعيده وكمال قدرة الله فيخافون فيظهر ذلك على جلودهم على هيئة قشعريرة ثم يذكرون ما يرجونه من رحمة الله فتلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله.
يلاحظ أن الله لم يتحدث عن العقل ولم يقل بأن كلامه يذهل العقل أو يجعله يطيش، لذلك يبقى المؤمن متماسكًا حال قراءة القرآن فلا صراخ ولا عويل ولا نُواح؛ إذ أنّ ذلك ليس حال المؤمن عند قراءة القرآن، بل حاله: قشعريرةٌ في الجلد ووجلٌ في القلب و دمعٌ في العين.
﴿ذَٰلِكَ هُدَى اللَّـهِ﴾: ذلك: تعود على القرآن، أي أن الهدى كله في القرآن.
﴿يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ﴾: أي يجعل الله قلب العبد محلاً للانتفاع بالقرآن، فالقرآن هدىً لا محالة لكن ليس قلب كل أحد قابلاً لأنْ ينتفع بهذا الهدى!
﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾: هنا المقارن به محذوف لدلالة المعنى عليه، ومثال وجود المقارن والمقارن به قوله تعالى: (أَفَمَن يُلْقَىٰ فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ)
ومعنى الآية: أن الإنسان في الدنيا فطر على أن يتقي أي أذى يقع عليه بأطرافه كاليد مثلاً يذب بها عن وجهه أولاً لأنه هو مجمع المحاسن، ومكارم الإنسان تكاد تكون كلها مجتمعة في الوجه، أما الكافر يوم القيامة فهو يحاول أن يذب العذاب عنه بوجهه إذ أنه يلقى في النار ويداه مغلولتان إلى عنقه فلا يستطيع إلا إن يذب بوجهه عن وجهه النار، (يلقي في النار منكوسًا) كما يقول عطاء بن أبي رباح رحمه الله.
المعنى البلاغي للآية: هو أن الكافر يومئذ في منتهى العجز عن حماية نفسه من العذاب!
﴿وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ﴾: القائل هم خزنة جهنم، ونوع القول توبيخ، فيجتمع على هؤلاء الكفار أذى الفعل (الحرق) وأذى القول (توبيخ الملائكة لهم).
وسلامٌ على المرسلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
شكرًا لمتابعتكم أيها الكرام، أيتها الكريمات.
م ن ق و ل