اليوم الإلكتروني
www.alyaum.com
الجمعة 1428-10-15هـ الموافق 2007-10-26م العدد 12551 السنة الأربعون
--------------------------------------------------------------------------------
في وهجير
حسين النصافي طرق كل أبواب الشعر بعمْق تجربته وتميّزها
كتب - عافت مطر الجلال الجميلي
انا ما استدلّ بْراي بعْض العيون العُور
وَلا هو بهَمِّي صغـْر الانسان من كبْره
في هذا البيت الشارد الذي اخترناه كمدخل لحديثنا عن الشاعر : حسين بن سعدون النصافي نجد أن الشاعر يؤكد أنه لا يلتفت لكل رأي أعرج وأن الحكمة هي ضالته أنى وجدها أخذ بها بغض النظر عن سن من صدرت عنه تلك الحكمة والبيت السابق من قصيدة طويلة مطلعها :
مضى لي ثمان سنين ما ادْري ثمان شهور
أقاسي ظما معْ جوع والزاد بالسُفره
تقول الأطبّا كلّ عله لها دكتور
وانا اقول ما يبْرَى جريح بْسهَم نظره
إلى أن قال :
عسى اللي كسَرني يا فهَد يجبر المكسور
ترى جابر المكسور عند الكريم اجره
انا ما نويته بالقطيعه شبيه الحُور
أعزه وعندي ربي اللي رفع قـَدره
أبو خدّةٍ فيها كثير الحَلا منثور
صويبه خطير بلحظته ينحفر قبره
صبرنا على ظلمه لعلّ الزمان يدور
عسى الله يبدّل عُسْر الأيام في يسْره
تفتـّح من الرحمة قلوب البشر ونزور
حَليَّ السجايا مدْمج الساق في قصره
نبي من زكاة المال للمسلم المعسـور
أبَستاذنه لو ما عطى الناس من عُمره
وابجزاه عن حَسناه في قلبي المسحور
يضمّه معَه ولاّ يدربيه في حفره
وكمثال على حكمة الشاعر وفراسته وعمق تجربته نورد هذا النص المفعم بالحكمة
والرزانة والجمال والرؤية الثاقبة :
والله انّ الوقت لا شان غيّر كلّ ثوب
واحدٍ يلبس مقاسه والاخر يفضحه
اختلافٍ بالهدَف واختلافٍ بالدروب
اليدين مكتـّفه والحَوال مصلـّحه
والصداقه تنتهي بين غالب ومْغـَلوب
البدايه مصلحه والنهايه مصلحه
السلوم وعزة النفس ماتت بالقلوب
القلوب مغلـّفه والعيون مفتـّحه
والنفاق مخيّمٍ بالبشر من كلّ صوب
الأوادم صارت احزاب جيش مسلـّحه
الهبايب تصطفق من شمال ومن جنوب
أحَدٍ يشكي من الوقت واحْدٍ يمدحه
مشكله لن اقرب الناس يلقى بك عيوب
لو يزلّ ابْك القدَم فيك سوّى مذبحه
يجزي الحَسنه بسيّه وَلا عنده سلوب
الهزيله تنفعه والفضيله تذبحه
انْ عطيته ما شكر وانْ نصحته ما يتوب
وان حصَل فرصه خذا مشلحَك معْ مشلحه
يالله انك تستر الحال وتغـَفر الذنوب
وكلّ بابٍ فيه للخلق خيرٍ تفتحه
ولمعرفة الشاعر عن قرب نتيح له الفرصة ليتحدث عن نفسه شعراً ونقرأ له :
ولله اني ما اجهل الدرب وعيوني تشوف
وانْ بغيت الدرب ما اسري بليله مظلمه
وْلا جلست بمجلس الذلّ في كلّ الظروف
وْلا طمَعت بحق غيري وَلا خـَذْت اسهمه
وْلا اتحمّل صفقة الخدّ من كلّ الكفوف
من تصاغرني بعينه وطاني بقـْدمه
وْلا كتبت احروف وَلا نقط قبل الحروف
وْلا اقتبست مْعلـّقه بالقصيد او ملحمه
ما هقيت انّ المعاني على مثلي تطوف
مستحيل يمرّني بعض الاشْيا ما افهمه
وحسين النصافي شاعر له نكهته الخاصة فشعره فيه نوادر وشوارد محلقة في سماء
الإبداع ولكونه من الصقارين المولعين بالقنص والعاشقين لهدة الطير فهو يبدع في
تصوير البر والمقناص وانظر لتصويره الرائع في النص التالي :
تعوّدنا على حُب السفر والبرْد والمجهام
عشـَقت البَرّ عشْق الطير يوم الله بلاني به
نعيش بذكرياتٍ ماضيه يمكن تصير احلام
يغطـِّيها عَجاج الصيف لا هَبّت لواهيبه
يا ليت اللي مضى يرجع حقايق عام بعْده عام
مثل ما ودّ غيري من هواة الصيد ودِّي به
عشـَقت الطير والصقـّار لا راوي وَلا عَلاّم
على حَسْب التجارب من دخـَل في سوق يشْري به
لا صار الحُبّ لـه سلطان راعَ الطير ما ينلام
وأنا اللي شاريٍ حُبّه وراضي في عذاريبه
وللذكريات عند حسين النصافي مكانة عالية فهو دائماً يسترجع لياليه الخوالي في
قصائد تنبض بالصدق وتهز الوجدان نورد بعض نماذجها , فمن روائعه في وصف الهواء الذعذاع والجَيب والفياض الخضر والشاي بالنعناع هذه الشاردة :
معَ الذكريات الماضيه والهوى الذعذاع
اعيد الشـريط وسارح الفكر طوّعته
تذكرت شي وشي ادور عليه وضاع
لكنّ الوكاد اني لقيته وضيّعته
سرَقه الزمان الشين ما ادْري كلـَته القاع
انا ما خبَرت اني عطيته وَلا بعته
لو اني دريت انّ الليالي تمُرّ بْساع
عليَّ الحرام انـِّي من العام وادعته
ليالٍ بهنْ فرْصه عُمُر يُوجعنّ اوجاع
لو انّ التمنـِّي رجّعـه كان رجّعته
مشيت الدروب المستقيمه بدون اطماع
أسجّ القدَم بالقفـْر والصدر وسّعته
على جيب لاندكروز في مقدّمه لمّاع
بعَد ما فحَصته بالمقاييس طلـّعته
سَرَحنا معَ الغبْشه وبعْض العرب هجّاع
قبل ما يبـِين الفجر والنور ولـّعته
يا زِين الضحى الفنجال والشاي بالنعناع
ويا زِين الحطب من طارف الروض جمّعته
ليَا شفت جُرّة واحدٍ له ثلاث اصباع
ربَطت الحزام وصادق الطلـْع فرّعته
حريصٍ يقصّ الارض ما ينثني بتـّاع
شجاعٍ وانا من كثر ما أغليه دلـّعته
بعيدٍ مَداه وشرْس وأطمع من الطمّاع
وَلا قال صقـّاره تنكـّر وجوّعته
يا زِين المنام بسهْلةٍ ما عَليّ شراع
ويا زين الخويّ اللي ليَا ضاق برقعته
ويا زين الفياض الخضْر في حزّة المرباع
ويا زين الكلام مْن الخـَوي لا تسمّعته
ويا شين الرفيق اللي ليَا قلت له ما طاع
ويا شين الزمان اللي عصاني وطاوعته
ويا شين التكبّر في ردِيٍّ قصير ذراع
ويا شين الردى من واحدٍ ما توقـّعته
ويا شين القلوب السُود والصاحب الخدّاع
ويا شين الصديق اللي يعذربْك لـ اشبَعته
اقوله على وضْح النقا معْرفه وابداع
وانا اللي دخـَلت بمنهَج الشعْر وابدعته
مثل ما ابدعه غيري وعن منهجه ما ضاع
حفظته بحسْن اخلاق واحساس واقنعته
ترى الكذب لـه مدخال والصدق له مطلاع
وانا مقتنع وابليس في سَبْع سبّعته
ثم نجد شاعرنا يستسلم لواقع الحال ويقول :
الله على وقتٍ بقـَت ذكرياته
وسوالفٍ تطري على البال يا عيد
راح وتعـدّت لذته معْ طرَاته
يوم الحباري والأرانب ملابيد
واليوم طرْد الصيد قلـّت حَلاته
واللي يحب الصيد عَزّل عن الصيد
راعَ الولـَع صلـّى وكمّل صلاته
عاف الطيور وعاف نقـْل البواريد
يا عيد اشوف الوقت يدْرج رَحاته
وسُود الليالي ضيعَنّ المواعيد