نتابع ،،،،، المقارنة بين الدولة العباسية والدولة الأموية:
العلاقة مع العلويين
كانت العلاقة بين بني أمية وبين بني علي بن أبي طالب جيدة بشكل عام، ابتداءً من عام الجماعة الذي تنازل فيه الحسن عن الخلافة لمعاوية، رضي الله عنهما. وكان معاوية كثير الإكرام للحسن والحسين، رضي الله عنهم أجمعين. وخروج الحسين من مكة إلى الكوفة كان بهدف الاعتصام بأتباعه، حتى لا يلزمه يزيد بالبيعة، واعتراضه عليها ليس على شخص يزيد وإنما على كونها تحويلاً للخلافة من الشورى إلى المُلك. أما عن استشهاده، فيزيد لم يأمر بقتله بل تألم من ذلك، وأكرم أهله. وبقيت العلاقة وطيدة بين الطرفيين، فلم يخرج أحد من الطالبيين يوم الحرة على يزيد، ولم يقبلوا بابن الزبير خليفة، بل بايعوا عبد الملك بن مروان، الذي كان يكرمهم، ويوصي ولاته (خاصة الحجاج) بعدم التعرض لهم. أما عن خروج يزيد بن علي رحمه الله، فهو حادث فردي لم يوافقه عليه باقي أفراد عائلته، وقد كان مخطئاً في خروجه، والذي قتله (مسلمة بن عبد الملك) خير منه، والله أعلم بما في القلوب.
وعندما بدء العباسيون بالتخطيط لثورتهم على الخلافة الإسلامية، تسربلوا بشعار مظلومية أهل البيت للوصول إلى سدة الحكم، بيد أنهم ما أن استقر بهم المقام وثبتت لهم أركانه حتى انقلبوا عليهم. وكان العباسيون في بداية دعوتهم يخفون اسم إمامهم، ويطلبون الدعوة للرضا من آل محمد، موهمين الناس أنهم يريدون البيعة لواحد من العلويين. وبذلك استمالوا قلوب الفرس والموالي العجم، خاصة في خراسان. فلما ظهرت ثورتهم، اكتشف العلويون الخدعة الماكرة التي نفذها العباسيون، لكن بعد فوات الأوان. فما لبث العباسيون إلا أن بطشوا بإخوانهم العلويين، وقاموا بإبادة منهم في فترة قصيرة ما لم يُقتل في كل العهد الأموي، حتى قال الشاعر:
والله ما فعلت أمية فيهم = معشار ما فعلت بنو العباس
وحصلت إبادة جماعية لذرية الحسن رضي الله عنه كادت تفنيهم لولا هروب أحدهم إلى المغرب الأقصى (حيث أنشئ هناك دولة الأدارسة). وقد جمع أبو جعفر أبناء الحسن، وأمر بجعل القيود والسلاسل في أرجلهم وأعناقهم، وحملهم في محامل مكشوفة وبغير وطاء، ثم أودعهم مكانا تحت الأرض لا يعرفون فيه الليل من النهار، حتى هلكوا. وصارت سياسة اضطهاد الطالبيين سنة متبعة يتواصى بها طغاة بني عباس، حتى أن هارون السفيه كاد يقتل الإمام الشافعي لأنهم وجدوه مع بعض بني علي في اليمن، ولولا وساطة محمد بن الحسن، لتم قتله معهم.
العلاقة مع العرب والمسلمين
كان هناك ارتباط وثيق بين بني أمية وبين العرب، ولم يقتصر الأمر على العرب في مكة والمدينة وغيرها من المدن، بل امتد إلى الأعراب كذلك. وكان بني أمية يرسلون أولادهم للبادية ليتعلموا الفصاحة ويعتادوا على خشونة الحياة. وكانت ثقافتهم عربية خالصة، وكان اعتمادهم الأساسي في فتوحاتهم على العرب، خاصة القبائل اليمانية الشامية، التي كانت بمثابة قوات خاصة تستعمل للمهمات الصعبة، وإن كانوا قد جندوا من باقي المسلمين كذلك (مثل جيش طارق بن زياد البربري). ولم يقدر عبد الملك أن يعهد بالخلافة لابنه مسيلمة لأنه كان ابن جارية رومية، مع أنه كان خيراً من اخوته. بينما كان ثاني خلفاء بني العباس هجيناً، وكذلك أكثر من جاءوا بعده. وكان الأمويون يتسمون بأسماء العرب (كالوليد وعمر وسليمان)، وغاية ما يكون تعظيم أحدهم أن ينادى بلقبه (أبو فلان). ولم يتلقبوا بألقاب العجم من أمثال المعتصم والمستنصر وأمثال ذلك.
فالدولة الأموية كانت دولة عربية قائمة في قيادتها على العرب، من غير ظلم لغيرهم. أما في الدولة العباسية، فقد قامت في أولها بمجازر رهيبة ضد العرب لم يحصل مثلها إلى عهد التتار. فكانت في أولها معتمدة على عصبية الفرس. وبالرغم من محاولات أبي جعفر التخلص من حلفاء الأمس بعد أن عظم خطرهم، فقد ظل نفوذهم قوياً جداً في الدولة، واستلموا المناصب الكبرى فيها. ومع ذلك انشغل العباسيون إلى عهد المعتصم بقمع ثورات الفرس المتوالية. وقام المهدي بمحاولة تخفيف النفوذ الفارسي عبر هيئة تتبع الزنادقة. لكنهم استطاعوا أن يحتفظوا بأنشطتهم بصورة سريّة، وتمكنوا من احتلال أغلب المناصب في دولة بني العباس، و بلغ أحدهم (الأفشين) قائد جيوش المعتصم. وهذا شيء لم يحصل قد في العهد الأموي.
وكان ولاء القادة للعباسيين قائماً على المال والعطايا من جهة، وعلى الخوف من البطش من جهة أخرى. ولم تكن هناك عصبية قوية تؤيدهم، بعكس حال الأمويين. ولذلك ضعفت الدولة وأصابها الضمور السريع منذ بدايتها. فحاول المعتصم استبدال الفرس بالترك، فلم يلبثوا أن استولوا على الدولة وأصبح الخليفة ألعوبة في أيديهم. على أنه حتى بعد انتقال الحكم إلى الجند الترك، فقد ظل تأثير الفرس الثقافي قوياً، سواء في المناصب التي شغلوها أم في تأثيرهم على ثقافة المجتمع ولغته وعاداته، وبالذات على ثقافة بني عباس أنفسهم.
نتابع ،،،،جرائم العباسيين.
تحياتي لكم ،،،،