السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
كيف حالكم وعساكم طيبين أن شاء الله
يقول : أبو عثمان الجاحظ :
في كتابه ( محاسن الأضداد)
محاسن حفظ اللسان
قال أكثم بن صيفي: مقتل الرجل بين فكيه- يعني لسانه-
وقال: رب قول أشد من صول،
وقال: لكل ساقطة لا قطة.
وقال المهلب لبنيه: اتقوا زلة اللسان فإني وجدت الرجل تعثر قدمه فيقوم من عثرته، ويزل لسانه فيكون فيه هلاكه.
قال يونس بن عبيد: ليست خلة من خلال الخير تكون في الرجل هي أحرى أن تكون جامعة لأنواع الخير كلها من حفظ اللسان.
وقال قسامة بن زهير: يا معشر الناس، إن كلامكم أكثر من صمتكم، فاستعينوا على الكلام بالصمت، وعلى الصواب بالفكر.
وكان يقال: ينبغي للعاقل أن يحفظ لسانه كما يحفظ موضع قدمه، ومن لم يحفظ لسانه فقد سلطه على هلاكه.
وقال الشاعر:
عليك حفظ اللسان مجتهداً = فإن جل الهلاك في زلله
وقال غيره:
وجرح السيف تأسوه فيبرا = وجرح الدهر ما جرح اللسان
جرحات الطعان لها التئام = ولا يلتام ما جرح اللسان
وقال غيره:
احفظ لسانك لا تقول فتبتلي = إن البلاء موكل بالمنطق
وقال غيره:
لعمرك ما شئ علمت مكانه = أحق بسجن من لسان مذلل
على فيك مما ليس يعنيك قوله = بقفل شديد حيث ما كنت فاقفل
قيل: تكلم أربعة من الملوك بأربع كلمات كأنما رميت عن قوس واحد:
قال كسرى: أنا على رد ما لم أقل أقدر مني على رد ما قلت،
وقال ملك الهند: إذا تكلمت بكلمة ملكتني، وإن كنت أملكها،
وقال قيصر: لا أندم على ما لم أقل، وقد ندمت على ما قلت،
وقال ملك الصين: عاقبة ما قد جرى به القول أشد من الندم على ترك القول.
وقال بعضهم: من حصافة الإنسان أن يكون الاستماع أحب إليه من النطق، إذا وجد من يكفيه، فإنه لن يعدم الصمت. والاستماع سلامة، وزيادة في العلم،
وقال بعض الحكماء: من قدر على أن يقول فيحسن، فإنه قادر على أن يصمت فيحسن.
وقال بعضهم: كان ابن عبيدة الريحاني المتكلم الفصيح صاحب التصانيف يقول: الصمت أمان من تحريف اللفظ،
وعصمة من زيغ المنطق، وسلامة من فضول القول.
وقال أبو عبيد الله كاتب المهدي: كن على التماس الحظ بالسكوت أحرص منك على التماسه بالكلام.
وكان يقال: من سكت فسلم كان كمن قال فغنم. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله تعالى يكره
الإنبعاق في الكلام. يرحم الله امرأ أوجز كلامه، واقتصر على حاجته.
قيل: وكلم رجل سقراط عند قتله بكلام أطاله، فقال: أنساني أول كلامك طول عهده، وفارق آخره فهمي لتفاوته. ولما قدم ليقتل بكت امرأته فقال لها: ما يبكيك؟ قالت: تقتل ظلماً قال: وكنت تحبين أن أقتل حقاً أو أقتل ظلماً. وشتم رجل المهلب، فلم يجبه، فقيل له: حلمت عنه، فقال: ما أعرف مساويه، وكرهت أن أبهته بما ليس فيه.
وقال سلمة بن القاسم عن الزبير قال: حملت إلى المتوكل وأدخلت عليه فقال: يا أبا عبد الله الزم أبا عبد الله- يعني المعتز-
حتى تعلمه من فقه المدنيين، فأدخلت حجرة، فإذا أنا بالمعتز قد أتى، في رجله نعل من ذهب، وقد عثر به، فسال دمه، فجعل يغسل الدم،
ويقول:
يصاب الفتى من عثرة بلسانــــه = وليس يصاب المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه = وعثرته بالرجل تبرا على مهل
فقلت في نفسي: ضممت إلى من أريد أن أتعلم منه.
وتجارة، وصناعة، وزراعة، فمن لم يكن منهم صار عيالاً عليهم.
محاسن الثقة بالله
قيل: خطب سليمان بن عبد الملك فقال: الحمد لله الذي أنقذني من ناره بخلافته.
وقال الوليد بن عبد الملك: لأشفعن للحجاج بن يوسف، وقرة بن شريك عند ربي.
وقال الحجاج: يقولون مات الحجاج، ما أرجو الخير كله إلا بعد الموت، والله ما رضي الله البقاء إلا لأهون عليه،
أليس إبليس إذ قال" رب انظر ني إلى يوم يبعثون قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم.
وقال أبو جعفر المنصور: الحمد لله الذي أجارني بخلافته، وأنقذني من النار بها.
وحدثني إبراهيم بن عبد الله عن أنس بن مالك قال: دخلنا على قوم من الأنصار، وفيهم فتى عليل، فلم نخرج من عنده حتى قضى نحبه، فإذا عجوز عند رأسه، فالتفت إليها بعض القوم فقال: استسلمي لأمر الله واحبسبي، قالت: أمات ابني؟ قال: نعم، قالت: أحق ما تقولون؟ قلنا: نعم، فمدت يدها إلى السماء وقالت: اللهم إنك تعلم أني أسلمت لك، وهاجرت إلى نبيك محمد صلوات الله عليه، رجاء أن تغيثني عند كل شدة، فلا تحملني هذه المصيبة اليوم، فكشف ابنها الذي سجيناه وجهه، وما برحنا حتى طعم، وشرب، وطعمنا معه.
مساوئ سوء الظن بالله
قال عيسى بن مريم صلوات الله تعالى عليه: يا معشر الحواريين أن ابن آدم مخلوق في الدنيا
في أربع منازل: هو في ثلاث منها واثق، وهو في الرابعة سيء الظن يخف خذلان الله إياه،
فإما المنزلة الأولى فإنه خلق في ظلمات ثلاث: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة،
فوفاه الله رزقه في جوف ظلمة البطن، فإذا أخرج من ظلمة البطن، وقع في اللبن لا يخطو
إليه بقدم ولا ساق، ولا يتناوله بيد، ولا ينهض إليه بقوة، بل يكره إليه إكراهاً، ويؤجر إيجاراً
حتى ينبت عليه لحمه ودمه، فإذا ارتفع عن اللبن، وقع في المنزلة الثالثة من الطعام من أبويه
يكسبان عليه من حلال وحرام، فغن ماتا، عطف عليه الناس، هذا يطعمه، وهذا يسقيه،
وهذا يؤويه، وهذا يكسوه. فإذا وقع في المنزلة الرابعة، واشتد واستوى، وكان رجلاً،
خشي أن يرزق، فيثب على الناس، فيخون أماناتهم، ويسرق أمتعتهم، ويغصبهم أموالهم مخافة خذلان الله تعالى إياه.
محاسن طلب الرزق
قال عمرو بن عتبة: من لم يقدمه الحزم أخره العجز، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يقول الله تبارك وتعالى: يا بن آدم أحدث لي سفراً أحدث لك رزقاً، وفي بعض الحديث:
سافروا وتغنموا.
وقال الكميت بن زيد الأسدي:
ولن يذبح هموم النفس إن حضرت = حاجات مثلك إلا الرحل والجمل
وقال أبو تمام الطائي:
وطول مقام المرء في الحي مخلقٌ = لديبـــــاجــــــتيه، فاغترب تتجدد
فإني رأيت الشمس زيدت محبـــــــةً = إلى الناس أن ليست عليهم بسرمد
وقال بعض الحكماء: لا تدع الحيلة في التماس الرزق بكل مكان، فغ، الكريم محتال،
والدنيء عيال وأنشد:
فسر في بلاد الله والتمس الغنـــى = تعش ذا يسارٍ أو تموت فتعذرا
ولا ترض من عيشٍ بدونٍ ولا تمن = وكيف ينام الليل من كان معسرا
وتقول العامة:كلب جوال خير من أسد رابض، وتقول: نم إلى دماغه صائفاً غلت قدره شاتياً.
ووقع عبد الله بن طاهر: نم سعى رعى، ومن لزم المنام رأى الأحلام. هذا المعنى سرقه من توقيعات أنوشروان فإنه يقول: هرك رود جرد هرك خسبد خراب ببند. ونشد:
كفى حزناً أن النوى قذفت بنا = بعيداً وأن الرزق أعيت مذاهبه
ولو أننا إذ فرق الدهر بيننا = غنى واحدٍ منا تمول صاحبه
ولكننا من دهرنا في مؤونةٍ = يكالبنا طوراً وطوراً نكالبه
وقال آخر:
ومن يك مثلي ذا عيالٍ ومقتراً = من المال يطرح نفسه كل مطرح
ليبلغ عذراً أو ينال غنيمةً = ومبلغ نفسٍ عذرها مثل منجح
وقال آخر:
وليس الرزق عن طلبٍ حثيثٍ = ولكن أدل دلوك في الدلاء
تحئك بملئها حيناً وطــــــوراً = تجيء بحماةٍ وقليل ماء
مساوئ القعود عن طلب الرزق
قيل: وجد في بعض خزائن ملوك العجم لوح من حجارة، مكتوب عليه: كت لما لا ترجو، أرجى منك لما ترجو؛ فغن موسى عليه السلام خرج ليقبس ناراً، فنودي بالنبوة. وبلغنا
عن ابن السماك أنه قال: لا تشتغل بالرزق المضمون عن العمل المفروض، وكن اليوم مشغولاً بما أنت مسؤول عنه غداً، وإياك والفضول، فإن حسابها يطول. قال الشاعر:
إني علمت، وعلم المرء ينفعه = أن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى له فيعنين تطلبه =ولو قعدت، أتاني لا يعنيني
وقال آخر:
لعمرك ما كل التعطل ضـــــــــــائر = ولا كل شغلٍ فيه للمرء نمفعه
إذا كانت الأرزاق في القرب والنوى = عليك سواءً،فاغتنم لذة الدعة
وقال آخر:
سهل عليك، فغن الرزق مقدور= وكل مستأنفٍ في اللوح، مسطور
أتى القضاء بما فيه لمدته = وكل ما لم يكن فيه، فمخطور
لا تكذبن فخير القول أصدقه = إن الحريص على الدنيا لمغرور
وقال آخر:
لا تعتبن على العباد فإنما = يأتيك رزقك حين يؤذن فيه
وقال آخر:
هي المقادير تجري ف أعنتها = فاصبر فليس لها صبرٌ على حال
يوماً تريش خسيس القوم ترفعه = دون الماء يوماً تخفض العالي
وقال آخر:
اصبر على زمن جم نوائبه = فليس من شدةٍ إلا لها فرج
تلقاه بالأمس في عمياء مظلمةٍ = ويصبح اليوم قد لاحت له السرج
وقال آخر:
ألا رب راج حاجةً لا ينالها = وآخر قد تقضى له وهو آيس
يجول لها هذا وتقضى لغيره = فتأتي الذي تقضى له وهو جالس
وقال آخر:
فلما أن عنيت بما ألاقي = وأعيتني المسائل بالقروض
دعوت الله لا أرجو سواه = وارب العرش ذو فرج عريض
وقال آخر:
يا صاحب الهم إن الهم منفرجٌ = أبشر بخيرٍ كأن قد فرج الله
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه = لا تيأسن فإن الصانع الله
إذا ابتليت فثق بالله وارض بـــه = إن الذي يكشف البلوى هو الله
وقال آخر:
وإذا تصبك من الحوادث نكبةٌ = فاصبر، فكل بليةٍ تتكشف
تـــــحــــيــــــاتــــــي لـــــكـــــم،،،،،،،