دبي – محمد عايش
أصبح رغيف الخبز وطبق الأرز أثمن من سبائك الذهب وبراميل النفط في دولٍ عديدة حول العالم بات فقراؤها يبحثون عما يسد رمق جوعهم قبل أن يفكروا بأيٍّ من ملذات الحياة الأخرى، فيما يرسم الخبراء والمختصون مستقبلا أكثر سوءا، وصورة أكثر سوادا، للمستقبل المقبل لا محالة إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه في العالم.
وشهدت عدة دول حول العالم، ومن بينها مصر، اضطرابات بعد أن عانت من أزمة غذائية تمثلت في شح القمح والأرز أو ارتفاع أسعاره بدرجة حرمت ملايين الفقراء من القدرة على شرائه، فيما حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة "فاو" على لسان مديرها العام جاك ضيوف من اندلاع "حروب أهلية" في الدول التي تشهد أزمة غذائية، فيما وصفت الأمم المتحدة هذه الأزمة بأنها "تسونامي صامت"، وقالت "إنها تهدد بمجاعة ستطال عشرات ملايين الأشخاص الإضافيين في العالم".
"الفاو" حذرت منذ 12 عاما
وأعادت مسؤولة في منظمة "الفاو" التذكير في حديث خاص لـ"الأسواق.نت" بأن منظمتها حذرت العالم في عام 1996 من حصول هذه الأزمة ودقت ناقوس الخطر متوقعةً حدوثها، وقالت الخبيرة الاقتصادية ومساعدة البرامج في المنظمة ماري الحايك "إن الفاو عقدت مؤتمرا عالميا قبل 12 عاما بحضور 180 دولة، وحذرت من حصول أزمة غذاء عالمية، وأطلقت التحالف الدولي ضد الجوع، وكان في العالم آنذاك 850 مليون جائع".
وتؤكد الحايك أن عدد الجياع في العالم ارتفع كثيراً منذ ذلك الوقت، وهو مرشح لمزيد من الارتفاع بفعل هذه الأزمة التي يعيشها العالم اليوم، لكنها ترى أن تجاوز هذه الأزمة ممكن في حال اتخذت الحكومات قرارات بعيدة المدى.
وقالت الحايك في حديث خاص لـ"الأسواق.نت" "إن على القطاعات الزراعية تقليل الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة بعد ارتفاع أسعاره، كما يجب إعادة النظر في إنتاج الوقود الحيوي على حساب الأغذية والسلع الأساسية".
وحول أسباب هذا الظهور المفاجئ لأزمة الغذاء العالمية تقول الحايك "إن ثمة العديد من الأسباب التي تضافرت على مر السنين الماضية وصولا إلى هذه الأزمة؛ حيث إن الأسعار المتدنية للأغذية في السنوات السابقة لعبت دورا في تقليل التوجه نحوها، وهو ما خفض المخزون الاستراتيجي في العديد من الدول، كما أن النمو السكاني الكبير الذي شهده العالم وخاصة في الصين والهند لعب دورا كبيرا في زيادة الطلب على الغذاء، فضلا عن أن النمو الاقتصادي غير من نوعية الاستهلاك وزاد من كميات الطلب على السلع الغذائية، هذا بالاضافة أيضا إلى مضاربات بعض التجار الذين تحولوا من أسواق المال إلى السلع التي أصبحت تحقق أرباحا أعلى بعد الأزمة الاقتصادية الأمريكية".
وبحسب الحايك فإن الأزمة المناخية التي شهدتها أستراليا وأوروبا والعديد من دول العالم والتي أدت إلى نقص الإنتاج الزراعي خلال الشهور الماضية ساهمت في تسريع ظهور الأزمة الغذائية.
وكشفت الحايك أن منظمة "الفاو" بدأت التحرك فعلا للحد من آثار أزمة الغذاء العالمي الراهنة، وخصصت 17 مليون دولار لبرامج المساعدة على التنمية الزراعية، كما ستعقد مؤتمرا خاصة خلال الصيف الجاري للنظر في سبل مواجهة أزمة الغذاء، وذلك رغم أن "الفاو" ليست جهة مانحة ولا ذات سلطة مالية تستطيع بها تزويد الدول بالمعونات اللازمة.
مصر قادرة على تأمين الغذاء
ويرى أستاذ الزراعة في جامعة عين شمس المصرية د. أمين الجمل أن "الفساد وغياب التنمية الحقيقية هما السبب وراء أزمة الغذاء وارتفاع الأسعار"، مؤكدا أن مصر -مثلا- قادرة على تحقيق الأمن الغذائي وتوفير كامل احتياجاتها من إنتاجها الزراعي لو أرادت ذلك "لكن الأمر بحاجة لقرار سياسي يغيب حاليا".
وبحسب الجمل الذي تحدث لـ"الأسواق.نت" فإن أصحاب القرارات في مصر ليسوا من أهل العلم والمعرفة، ولذلك تغيب القرارات الحكيمة، وغياب هذه القرارات هو الذي أدى بالمصريين إلى الوقوف في طوابير طويلة للحصول على الخبز.
وقال الجمل "إن أي مشروع يتم طرحه في مصر يخالطه الفساد"، مضيفا "ما دام لدينا فساد فلا أمل.. نحن في نفق مظلم ولا ضوء خارج هذا النفق".
وتشهد مصر أزمة خبز تاريخية وغير مسبوقة منذ عدة شهور؛ حيث يمضي آلاف المصريين ساعات طويلة يوميا على طوابير خانقة للحصول على كميات محدودة من الخبز المصنوع من الدقيق المدعوم حكوميا، والذي ازداد الطلب عليه مع الارتفاع الكبير في أسعار السلع والمواد الغذائية الأساسية.
وكانت نحو ثمانية دول فقيرة قد شهدت اضطرابات سياسية مؤخرا نتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وهي الاضطرابات التي انتهت بإسقاط حكومة هاييتي التي شهدت أسوأ الأحداث.
http://www.alaswaq.net/articles/2008/04/29/15594.html
المصدر: