خطبة عرفة.. عظم المسؤولية في خير أيام الله
9 ذو الحجة 1433-2012-10-2512:33 PM
بروفايل "سبق"- خاص: يحمل هذا العالم الجليل كل عام هم القيام بواجب شُرّف به فيقضي شهرين قبل المناسبة مخططاً وراصداً وداعياً الله عز وجل أن يوفقه ليفي الموقف حقه أمام ملايين المسلمين الذي سيجمعهم الله له على صعيد واحد مستشعراً أنه يقف في موقف أسسه سيد المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام فيدرك عظم المسؤولية، وثقل الأمانة.
ذلك لأن يوم عرفة يمثل أحد أفضل الأيام في حياة المسلمين فهو الذي قال فيه الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: "هذا يومُ عرفة، يومٌ من أفضل أيام الله، يقول فيه: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء؟".
وهو أيضاً يوم مغفرة الذنوب وصيامه يكفر سنتين كما قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
من أجل ذلك اكتسب هذا اليوم أهميته الكبيرة ومنه أيضاً تأتي الحكمة والمسؤولية الكبيرة من خطبة يوم عرفة التي تعد أبرز منابر الخطاب الديني في العالم التي تتاح سنوياً ليستمع لها ملايين الحجاج على صعيد عرفات وأكثر من مليار مسلم على وجه الأرض يتابعونها عبر وسائل الإعلام.
إن خطبة عرفة هي مسؤولية عظيمة وأمانة ثقيلة وهي أيضاً رؤية ورسالة لابد أن يعي من يقوم بها الأهمية الكبرى لإعدادها والنظر لعمومية المتلقين وعمق الرسالة التي يجب أن تصل لهم، ومراعاة أبرز ما يكون يشغل بال المسلمين في العام الذي تلقى فيه لتكون مواكبة لما يعتمل في صدورهم كما يجب أن يتحقق فيها تأكيد ثوابت الإسلام وعمقه وسماحته مثلما صدح بها سيد المرسلين عليه الصلاة والسلام في أول خطبة في العام العاشر من الهجرة النبوية.
وفي هذه البلاد التي شرّفها الله عز وجل بخدمة الحرمين الشريفين وقع حمل أمانة خطبة الجمعة على مفتيها الذي يدفعه حرصه على تخصص شهرين قبل الحدث من كل عام لإعداد هذه الخطبة، فمنذ إسنادها له والشيخ عبدالعزيز آل الشيخ يحمل في كل عام هم خطبة عرفات فور انقضاء شهر رمضان، إذ يحرص على تقصي هموم العالم الإسلامي والمستجدات التي تطرأ على الساحة الدولية.
وبانقضاء شهر رمضان تبدأ تفاصيل إعداد خطبة الحج بوضع العناصر التي ستتضمنها وترتيبها، وفي ذي القعدة تبدأ خطوة تدوين العناصر والأفكار على الورق.
وانطلاقاً من مفهوم المشورة، يراجع مفتي عام المملكة الخطبة بعد تدوينها مع أحد المقربين منه، وتعاد كتابتها مجدداً بعد وضع اللمسات الأخيرة للشكل النهائي للخطبة تزامناً مع دخول شهر ذي الحجة.
يقول تقرير لصحيفة "عكاظ": "بعد مرحلتي التصور والكتابة يبدأ الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ مرحلة حفظ الخطبة، بالمراجعة مع أحد مساعديه، وتشهد المراجعة إضافة استدلالات بآيات من القرآن الكريم وأحاديث من السنة النبوية".
وينسب التقرير لأحد مقربي الشيخ أن سماحته يحرص على أن تعالج الخطبة موضوع القضايا التي تستأثر باهتمامات المفتي تتمثل في أزمات العالم الإسلامي، والتوعية بالمخالفات الواجب تصحيحها في شتى المجالات الحياتية.
وفيما يكرر الشيخ عباراته الشهيرة التي تكاد تتكرر في كل خطبه: "سأكون في موقف وقف فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه الخطبة سيسمعها العالم كله وهذه مسؤولية عظيمة"، فإنه غالباً ما يقضي يوم عرفات بأداء صلاة الفجر ثم الإفطار مع بزوغ الفجر ثم يمضي عاكفاً على الذكر والصلاة إلى وقت الذهاب لجامع نمرة في عرفات.
إن قراءة سريعة لأبرز مواضيع خطبة عرفة خلال الأعوام القليلة الماضية مثلاً يؤكد حقيقة التوجه بهذا المحفل العظيم للحديث حول الهم الإسلامي عموماً مواكباً لأبرز القضايا والإشكالات التي تعترضهم.
فمثلاً في عام 1432هـ أكد المفتي العام أهمية الإسلام كمنظمة متكاملة وكيف أن السلفية حركة متجددة، محذّراً من أن الحج ليس للمهاترات والشعارات الجاهلية، وأن الإسلام يرفض التخريب والإرهاب والغلو والإخلال بالأمن وسفك الدماء ويغرس الانتماء.
وفي العام الذي سبقه 1431هـ أكد أن الشريعة الإسلامية عقيدة الوحدة والألفة والجماعة، متطرقاً إلى المعاملات الإسلامية وخصائصها.
وفي العام 1430هـ تطرق إلى التطمين بأن البلد الأمين في أيدٍ أمينة قوية "من أولئك الجهلاء الذين يعملون على تسييس الحج، ومؤكداً أن هناك محسوبين على الإسلام يعملون على إيقاظ الفتنة والتقاتل بين الأشقاء".
وفي عام 1429هـ تطرق لمفهوم الأمن وأنه عام في كل ما تحتاج إليه البشرية في دينها ودنياها مثل الأمن العقدي، والأخلاقي، مطالباً حكام الدول الإسلامية التي تعاني الأزمات بتدارك الأمر وتقوى الله والدعوة للوحدة ورأب الصدع.
وفي عام 1428هـ وعلى مدى ساعة من الزمن تقريباً حملت الخطبة التحذير من الجوانب السياسية والطائفية التي بدأت تغزو المسلمين وتفرق وحدتهم، محذّراً من ظهور الدعوات الضالة، ومؤكداً خطورة الشعارات الحزبية والعصبية القومية البغيضة.
وبالتأكيد فإنه لعظم الأمر فإن إسناد الخطبة لسماحة الشيخ جاء من خادم الحرمين الشريفين فكما هو معروف لدى العلماء أن من الشروط التي يجب توفرها فيمن يلقي خطبة يوم عرفة أن يكون ولي أمر المسلمين أو نائبه ويرى العلماء أنه لما أصبحت كل دولة على حدة وعرفات موجودة في المملكة فمن يلقي الخطبة يجب أن يكون إما الملك عبدالله أو نائبه ولكن الملك لا يفتي المسلمين مثل وقت النبي عليه الصلاة والسلام لذا فإن من يخطب الخطبة هو من يراه وينيبه وهو ما أسنده خادم الحرمين الشريفين إليه.
يقول سماحته: "تلقيت في خامس ذي القعدة عام "1402هـ" خطاباً موجهاً لي من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته- تضمن هذا الكتاب العهد إليّ بإلقاء خطبة يوم عرفة بنمرة، نيابة عن فضيلة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ- الذي طالما صعد هذا المنبر لعقود عديدة-، وباشرت الخطبة في ذلك العام، وفي العام التالي كذلك، ثم جاء التوجيه من خادم الحرمين الشريفين- رحمه الله- في عام "1404هـ" بالخطابة في هذا المكان بصفة مستمرة، أرجو من الله أن نوفق فيها لكل خير".
إن خطبة عرفة هي تنظيم إسلامي عظيم وقد اكتسبت ذلك بلا شك من أول خطبة صدح فيها المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم, كحرمة يومكم هذا, في شهركم هذا, في بلدكم هذا،...إن ربكم واحد, وان أباكم واحد, كلكم لآدم, وآدم من تراب, إن أكرمكم عند الله اتقاكم, وليس لعربي فضل على أعجمي إلا بالتقوى".
ولد سماحة الشيخ عبدالعزيز آل الشيخ في الرياض عام 1360هـ، وكان منذ ولادته يعاني ضعف البصر، حتى فقده عام 1381هـ. وكان الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن حسن آل الشيخ خطيباً للحرم المكي وفي مسجد نمرة يوم الوقوف في عرفات، وسبق أن اعتذر عن الخطابة في الحرم، وعيّن رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء سابقاً. ومنذ العام 1402 للهجرة والشيخ مستمر في إلقاء خطبة يوم من خير أيام الله.