يُقال أن علي بن الجهم عاش في شبابه في بيئة صحراوية قاسية، على الرغم من الشاعرية الفذة التي تتأجج في صدره، إلا ان البيئة تؤثر في الإنسان، وتتكون في شخصيته آثارها، لذا قيل عن علي بن الجهم ان قساوة البادية اثرت فيه كثيرا، ولكم هذه القصة عن علي بن الجهم.وهي من كتاب محاضرة الأدباء لمحيي الدين بن عربي ننقلها لكم بتصرف:
كان علي بن الجهم بدويا جافا قاسيا أثرت فيه البادية كثيرا، مع انه كان رشيق المعاني لطيف المقاصد إلا أن الحياة الجافة اثرت على الفاظه، فذات مرة ضاقت به الحال فذهب إلى المتوكل على الله لينشده الشعر، فعندما دخل على المتوكل قال:
[poem=font="mateen,6,tomato,bold,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
أنت كالكلب في حِفاظِكَ للود= وكالتيسِ في قراعِ الخطوبِ
أنت كالدلوِ لا عدمناك دلوا = من كبار الدلا كثير الذنوبِ
[/poem]
الذنوب: معناها كثير السيلان بسبب إمتلائه
فعندما قال هذه الأبيات لخليفة المؤمنين، أجمع الحضور على ضربه ولكن قال لهم المتوكل: أتركوه..!
لقد عرف المتوكل قوة على بن الجهم الشعرية ولكن قسواة الألفاظ تسيطر عليه بحكم البية التي يعيشها، لذلك أصدر المتوكل أمرا بأن يتم امنح على بن الجهم بيتا في بستان قريبا من الرصافة وهي مدينة عند جسر بغداد. وكان تلك المنظقة خضراء يانعة، وفيها سوق، وكان علي بن الجهم يرى الناس والسوق والخضرة والنضرة، والجمال في ذلك الحي.
وبعد فترة من الزمن، وبعد أن تأقلم على بن الجهم على ذلك المكان دعاه المتوكل وجمع الناس وقال لعلي بن الجهم أنشدنا شعرا. فقال علي بن الجهم قصيدة تعتبر اروع ما قاله، حتى قال عنها الشعراء، لو لم يكن لديه إلا هي تكفيه أن يكون اشعر الناس. فقال على بن الجهم هذه القصيدة التي تصل إلى 56 بيتا:
[poem=font="mateen,6,purple,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""] عيون المها بين الرصافـة والجسـر =جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري[/poem]
[poem=font="mateen,6,purple,normal,normal" bkcolor="transparent" bkimage="" border="none,4," type=2 line=0 align=center use=ex num="0,black""]
خليلـي مـا أحلـى الهـوى وأمـره = أعرفنـي بالحلـو منـه وبالـمـرَّ !
كفى بالهوى شغلاً وبالشيـب زاجـراً = لو أن الهوى ممـا ينهنـه بالزجـر
بما بيننا مـن حرمـة هـل علمتمـا = أرق من الشكوى وأقسى من الهجر ؟
و أفضح من عيـن المحـب لسّـره = ولا سيما إن طلقـت دمعـة تجـري
وإن أنست للأشياء لا أنسـى قولهـا =جارتها : مـا أولـع الحـب بالحـر
فقالت لها الأخـرى : فمـا لصديقنـا = معنى وهل في قتله لك مـن عـذر ؟
صليه لعل الوصـل يحييـه وأعلمـي = بأن أسير الحب فـي أعظـم الأسـر
فقالـت أذود النـاس عنـه وقلـمـا = يطيـب الهـوى إلا لمنهتـك الستـر
و ايقنتـا أن قـد سمعـت فقالـتـا = من الطارق المصغي إلينا وما نـدري
فقلت فتـى إن شئتمـا كتـم الهـوى = وإلا فـخـلاع الأعـنـة والـغـدر
[/poem]
وقال فيها أيضا عندما سألته التي يحبها: هل أنت شاعر؟
فقلتُ اسأتِ الظنَّ بي، لستُ شاعرا = وإن كان أحيانا يجيشُ بهِ صدري!!
وقال فيها أيضا:
فما كل من قادَ الجيادَ يسوسها *** ولا كل من اجرى يقالُ لهُ مجري!
وقال فيها أيضا يمدح كرم المتوكل
ومن قال أن البحر والقطرِ اشبها *** يَداهُ، فقد اثنى على البحرِ والقطرِ
وبعد أن إنتهى على بن الجهم من قصيدته.. اصيب الجميع بالدهشة، لا يعقل من كان يقول كالكلب وكالدلو أن يأتي بهذا الكلام فائق الروعة..
فسكت الخليفة المتوكل وكأنه خائف على علي بن الجهم. فقال له الحاضرون : ما بالك يا أمير المؤمنين.
فقال: إني اخشى عليه أن يذوب رقة
منقول بتصرف