بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
ـــ يحكى أن رجلاٌ مثُل بين يدي الخليفة أبي جعفر المنصور، مستعرضاٌ بعض براعته، فراح يرمي إبرة فغرزت في الحائط ، ثم أخذ يرمي الواحدة بعد الأخرى، فكانت كل
إبره تدخل في ثقب سواها، حتى بلغ عدد الإبر خمسين، فأعجب المنصور ببراعته وأمر له بمائة دينار.. وحكم عليه بمائة جلدة.
ارتاع الرجل، متسائلاٌ عن السبب.. فقال له الخليفة: إن الدنانير مكافأة لك على براعتك ، أما الجلدات فهي جزاء لك ، لأنك أضعت الوقت في شيء غير ذي نفع.
وهذا درس في البراعة الضائعة ، أو الطاقة المهدورة.. تلك التي لاتعود بجدوى ولا فائدة على الناس، ولا يجنون منها سوى ضياع الجهد والوقت وربما المال احياناٌ.
يث أنني أجدني أختلف تمام الاختلاف مع اولئك الذين يرون في (سيزيف) مثالاٌ للبطولة والصمود والإرادة والتحدي، فلست أراه سوى أنموذج للحمق المطلق، إذ اضاع
الطاقة والوقت ــ وربما الصحة ــ في دحرجة صخرة من السفح الى السطح ، مهدراٌ وقتاٌ وجهداٌ كافيين لبناء قصر او لتدبير امر يعود بالنفع الكبير عليه او على واقعه
واهل مجتمعه.
وفي واقعنا نماذج من (سيزيف)وأمثلة من زائر المنصور.. غير أن افدح صورها حين تكون مثل هذه النماذج والأمثلة متسيدة على بعض مواقع القرار في المجتمع وفي الأمة.. فإذا بالمجتمع يتقهقر، وإذا بالأمة تتدهور.. وإذا بقانون التطور يصاب في بعض مفاصله الهامة، فنتأخرــ اكثر مما تأخرنا ــ عشرات السنين..
إن المشوار امامنا طويل في صحراء الوعي وفي بيضة الواقع على حد سواء.. غير إن القاء حجر في ماء راكد اجدى ألف مرة من صب ماء راكد على حجر..
موفقين بإذن الله ... لكم مني أجمل تحية .